غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حسام الخطيب نموذج للإنسان المقاوم 

حسام الخطيب (2).jpeg
بقلم/ عرفات عبد الله أبو زايد

في اللحظة التي أحتاج قلمي بها وجدته يخذلني وغير قادر على الكتابة، أي قلم هذا الذي أستخدمه في الحديث عن شخصية نورانية مثل الشاب الجميل الصديق الحبيب حسام الخطيب، قاومت حتى أكتب وأعطي حسام حقه الذي علينا نحن معشر أصدقائه، حقه في أن يعرفه الشباب الذين لم يجالسوه ولم يعرفوه، حقه الذي يجب أن يبقى سيرة خالدة للأجيال القادمة من الشباب كي يكون نموذج لهم في الإخلاص والتفاني والمحبة ونكران الذات، لقد مَّنَّ الله علينا أن نعرف حسام لأكثر من 18 عام، فترة زمنية تُعد نصف عمره القليل الذي عاشه في هذه الدنيا، لقد كان حسام من الشخصيات التي كتب الله لها القَبول في الأرض، بمجرّد أن تجلس معه وتنظر إليه وتسمع له تشعر بحال أفضل، وبحوافز للعمل أكثر، وبنشاط لا يوصف، وبمحبة تغمرُ الأرواح، وبسكينة تتنزل على القلوب، وبرحمة تغشى الحاضرين، هذا ما كان يصنعه حسام الخطيب لنا حين اللقاء معه.

الرابطة الإسلامية نقطة الالتقاء الأولى.. بدأت رحلة التعارف مع حسام حينما كنت منسقاً لملف الجامعات بالرابطة وكان حسام قد ملأ جامعة الأقصى "فرع غزة" ضجيجا في أعماله وانجازاته حينما كان منسقاً للرابطة الإسلامية بها، تكلف حسام بمسؤولية الرابطة في جامعة الأقصى في أكثر الأوقات تعقيداً في حالتنا الفلسطينية تلك التي صاحبت فترة الانقسام الداخلي، وفي أكثر الجامعات حساسية وهي جامعة الأقصى الجامعة الحكومية التي شهدت خلافات طاحنة بين بعض الكتل الطلابية، استطاع حسام وعلى الرغم من صغر سنه في تلك المرحلة والتي لم تتجاوز الـ 21 عاماَ أن يكون القاسم المشترك لكافة الكتل الطلابية من جهة ورئاسة وإدارة الجامعة من جهة أخرى ممثلة بالأستاذ الدكتور علي أبو زهري والدكتور كمال الشرافي اللذان قادا جامعة الأقصى في ذلك الوقت، لم يضيع حسام أي وقت دون أن يلتقي ويجتمع على مدار الساعة بشكل فردي أو جماعي مع رئاسة الجامعة والكتل الطلابية للوصول الى صيغة تساهم في حقن دم الطلبة في الجامعات، وكان قرار قيادة الرابطة الإسلامية في ذلك الوقت واضحاً وهو إبعاد الجامعات عن التجاذبات والمناكفات السياسية، وقد تمكن حسام أن يترجم هذا المبدأ داخل الجامعة، وفي أكثر من مرة رمى بنفسه أمام الموت ليحمي زملاءه في الأطر الطلابية ونجح في ختام جهوده أن يصل بالحالة الطلابية داخل الجامعة لبر الأمان.

إبداع حسام وقدرته في الإنجاز والعمل تحت الضغط والبصيرة التي يتمتع بها جعلت منه شخص مطلوب منه أن يواصل العمل في الرابطة الإسلامية حتى بعد تخرجه من جامعة الأقصى، لقد كان فرحاً ببقاءه داخل أروقة الرابطة على اعتبار أن الرابطة شكلت آنذاك نقطة التقاء لكل الطاقات المبدعة القادرة على استخدام كل امكانياتها بما يخدم الطلبة ويقدم لهم كل سُبل النجاح والتفوق، وذلك في إطار ثورة العمل والإنجاز التي لا تستكين في تلك الفترة، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلة اللقاء اليومي بيننا كمجموعة من قيادة العمل الطلابي في الرابطة التي كان أحد أعمدتها حسام، الأمر تجاوز مسألة العمل الطلابي، أصبحت الإخوة والهموم الشخصية والأفكار الإبداعية السمة الرئيسية في علاقاتنا، في ظل حالة المحبة والمودة والترابط التي كانت تسيطر على عمل الرابطة الإسلامية وتطبيق مبدأ الإخوة الحقيقية التي تربط العلاقة بين شباب الرابطة بمعنى تجاوز العلاقة من العمل المكتبي والإداري إلى علاقة الإخوة والمحبة التي كنا نرى فيها بأنها قيمة تصنع المجتمعات.

لم يكن حسام عبارة عن موظف داخل الرابطة الإسلامية يمارس عمله ومن ثم ينصرف إلى حياته الخاصة، كان العمل الطلابي يمثل له كل حياته وجُل اهتمامه وتفكيره، لذلك أصبح حسام لديه القبول لدى كل إخوانه في الرابطة الإسلامية على مستوى قيادة الرابطة ومنسقي الجامعات والمدارس الذين أصبحوا ينظروا له كنموذج يتعلموا منه الكثير، فتدرج حسام بالعمل الطلابي من منسق جامعة حتى منسق ملف المدارس ونائب منسق سكرتاريا الأطر الطلابية في قطاع غزة، ومنسق ملف الجامعات ومسؤول لإقليم الوسطى وختاماً مسؤول ملف التعليم بالرابطة الإسلامية، كل هذه الأماكن ما كان ليصل إليها حسام لولا أنه امتلك الأدوات والصفات التي جعلت إخوانه يثقوا به ويؤمنوا بقدراته التي سخرها نحو خدمة الطلبة على اختلاف أطيافهم ومشاربهم الفكرية والسياسية.

لم يكن حسام يعتبر نفسه فرداً منفصلاً عن إخوانه، بل اعتز دوماً بكونه جزء من شباب آمنوا بقدرات بعضهم البعض، فعلى الرغم من انتهاء العمل المشترك بيننا بالعمل الطلابي في مايو 2019 وتوزع الجميع على أماكن عمل متنوعة إلا أن حسام كان يؤمن كما بقية أصدقاءه بأن علاقتنا أكبر من مكتب أو ملف يجمعنا، فنحن نستطيع أن نلتقي بشكل متواصل ليجددوا العهد بينهم، لذلك آمن حسام وأصدقاءه بأن الإخوة التي تجمعنا تجعل للمرء على أخيه حقوقًا وواجباتٍ، وتضمن الوقايةَ من جميع الأمراض الداخلية التي قد تعتري النفوس: كالكره، والبغض، والحسد، فكان مرحاً، ناصحاً، مؤدباً، تقياً.

حسام الخطيب كان إنساناً بمعنى الكلمة، لم يألوا جهداً عن الوقوف مع الآخرين ومساندتهم والإحسان إليهم، كان لا يترك باباً للخير إلا ويكون له سهم فيه، كان لا يحب أن يرى أي خصام لدى إخوانه ويتدخل بكل ما يملك حتى يصلح ذات البين، كان إيجابياً تجاه حل الخصومات وتقريب وجهات النظر، فكان يمتلك أسلوب مقنع وطريقة حوار راقية تساعده في أن يكون وسيط خير لحل الإشكاليات والخلافات التي تقع بين الشباب، حسام كان مُحباً لعائلته وأبنائه، كان دائماً يتحدث لنا عن ابنه البكر محمد وانغماسه به لدرجة العشق ويقول لنا كيف يخجل محمد من بعض المواقف ولكنه على الرغم من صغر سنه يمارس دور الأب ولديه النضوج، وعن إبنه علي الذي كان يتحدث عنه وهو في قمة السعادة خاصة تلك لحظات الشقاوة التي يمارسها علي مع إخوانه فكان يصفه بالطفل "اللي مجنن العالم" وابنه محمود الذي ولد قبل فترة وجيزة من سفرنا معاً وكان في حينها ينتظر العودة بفارغ الصبر ليقبل ابنه ويداعبه، وابنته فاطمة التي كانت تلتصق به في كل مكان يتحرك به داخل المنزل وارتباطه به، حسام الحنون مع أهله وإخوانه وأصدقائه كان يمثل محور اهتمام لكل محبيه.

بالتوازي مع العمل الطلابي الذي كان يأخذ الكثير من وقت حسام إلا أنه آمن بمقولة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي بأن المثقف أول من يقاوم وأخر من ينكسر، فكان له دوره المبدع في سرايا القدس التي انتمى اليها بكل اخلاص، فكان محط اهتمام إخوانه في سرايا القدس بشكل عام ولواء الوسطى بشكل خاص.

العِشرة الحقيقية لنا كانت مع حسام خلال السفر، فمن خلال السفر تكتشف معادن الناس الحقيقية، لم يتأخر عن أداء أي صلاة، وأتذكر كيف كان يؤكد لي أكثر من مرة قبل النوم بعدم نسيان وضع المنبه على صلاة الفجر، ومن ثم بعد الصلاة يقرأ القرآن، ويوقظنا وقد قام بإعداد طعام الفطور.

كان حسام لا يتوانى على خدمة إخوانه، يقوم بغسل الأواني وترتيب الفراش، واعداد الطعام، أتذكر في أحد الأيام ذهبنا لغرفة وكنا ثلاثة ولم يكن بالغرفة إلا سريرين فقط، وأصبح كل واحد منا يقدم الآخرين للنوم على السريرين وينام هو على الأرض، فأقسم حسام يميناً مغلظاً بأنه سينام على الأرض ونحن ننام على السريرين، لم يكن لديه أي حب للذات، يُشكل الإيثار جزء أساسي في شخصيته، فهو يقدم إخوانه عنه في كل شيء، حتى عند الحديث عن انتخابات داخل الرابطة الإسلامية 2019 بادر بالحديث معي بالترشح وأنه يدعمني بقوة، فقلت له شروط الترشح تنطبق عليه، وهو لا يقل عني بالخبرات والقدرات بل كان أفضل مني في كثير من الجوانب، فكان رده أنا جندي معك وخلفك، ليس سهلاً في هذه الحياة المجنونة التي يتبارى بها الناس من أجل مصالحهم والقتال لتحقيق أهدافهم الخاصة، ليس سهلاً أن تجد شخصاً بهذه الصفات الحميدة والراقية.

حسام الخطيب سليل عائلة مجاهدة مقاومة، حيث أن عمه هو الاستشهادي خالد الخطيب منفذ عملية مغتصبة "كفار داروم" المحررة بتاريخ 9/4/1995 والتي أدت إلى مصرع 10 جنود صهاينة وإصابة 40 آخرين، حيث يُشهد لعائلة الخطيب بالطيبة والكرم والنضال وحب الخير والإحسان، فالشخصية التي امتلكها حسام كانت مزيج بين ثقافته العائلية والحركية فأوجدت شخصية بهذه الصفات.

غياب حسام له إثر كبير في حياة من عرفوه وعملوا معه، بالأمس اتصل بي رؤساء الكتل الطلابية مقدمين التعزية وكان الأخ محمد فروانة "أبو نبيل" رئيس الكتلة الإسلامية في فلسطين من أكثر المتأثرين برحيل حسام وحوالي ساعة من الاتصال كانت للحديث عن حسام واستذكار مواقفه وخصاله الطيبة خلال وجوده بالعمل الطلابي، حسام كان نموذج ووجه مشرق لحركة الجهاد الإسلامي أمام كافة الكتل الطلابية.

المواقف التي تجمعنا مع حسام كثيرة، ولحظات الفرح والحزن التي عشناها سوياً لا تُنسى، وعلى الرغم من معرفتنا واطلاعنا بشكل مفصل على الحالة الصحية إلا أن خبر رحيله قد أفجعنا وأحزننا وكسر قلوبنا، لكن عزائنا أننا نفارق جسده الطاهر الصابر المحتسب والواثق برحمة الله، نفارقه ونعده بأن أصدقاءه ومحبيه لن ينسوه وسنبقى محافظين على وصيته لنا بالمحافظة على ميثاق المحبة والإخوة المودة الذي يجمعنا.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".