إن معارك الإضراب عن الطعام والأمعاء الخاوية مرتبطةٌ بالمجاهدين الأشداء، بأصحاب الهمم والنشاط والفاعلية والإيجابية، ولا نخطأ القول إذا كان الشيخ المجاهد/ خضر عدنان من هذه الثلة الصابرة والمجاهدة، فالأخ/ أبو عبد الرحمن الذي ترعرع في قرية عرابة (قضاء جنين) والحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بيرزيت، وأحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي تعرض للاعتقال لدى الاحتلال عشرات المرات، وأمضى في سجونه زهاء ثماني سنواتٍ.
ولكن هذه الاعتقالات المتتالية بحق الشيخ/ خضر كانت كفيلة بأن يكون عنوان معركة الأمعاء الخاوية، والكلمة الرافضة للاعتقال الإداري، فقد خاض خلال فترات اعتقاله الإداري عدداً من الإضرابات المفتوحة عن الطعام احتجاجاً على هذه السياسة المجحفة والمقيتة ومطالباً بإسقاطها ودحرها.
وغنيٌ عن البيان أن الاعتقال الإداري سياسية تلجأ إليها قوات الاحتلال لاعتقال الكوادر الفاعلة والتنكيل بها دون إسناد أي تهمٍ ودون أي ملف قضائي سوى ملف سريٍ مزعوم تعده مخابرات العدو ولا يُمكّن المعتقل أو محاميه من الاطلاع عليه وتفنيد ما ورد فيه، حيث يتم إصدار قرار مجحف بالاعتقال لمدة 6 أشهر ويتبع ذلك التمديد تلو التمديد دون أجل مسمى إلى الأمر الذي أصبح فيه الاعتقال الإداري ضَرباً من ضروب العقوبة غير المعلنة وغير القانونية، فلم يعد عجيباً أن يمكث عدد من المناضلين والمجاهدين الفلسطينيين لفترات طويلة قد تجاوز العشر سنوات نتيجة قرار جائرٍ بالاعتقال الإداري.
إن قيادة الشيخ/ عدنان لمعركة مجابهة الاعتقال الإداري لم تكن وليدة الصدفة، بل إن الشيخ دأب على كسر الحاجز النفسي والرهبة التي يحاول أمن العدو فرض سطوته عليه باستخدامها، فعدونا المجرم دأب على استخدام أساليب منحطة وغير قانونية في سبيل كسر عزائم نفوس المجاهدين الفلسطينيين من استخدامٍ لوسائل العنف وإطلاق الشتائم المتتالية والحرمان من النوم والراحة والاعتداءات الجسدية العنيفة، وقد أفلح الشيخ/ خضر عدنان في التغلب على هذا الإرهاب المعنوي والنفسي والجسدي.
وفي خضم معاركه ضد الاعتقال الإداري وإضراباته عن الطعام وأمعائه الخاوية، امتاز الشيخ/ خضر عدنان -ورغم أزمة الجوع والنصب والتعب وتنكيل مصلحة السجون به والضغوط الخارجية عليه- امتاز بقدرته على إدارة إضراباته بكثيرٍ من الحكمة والهدوء والثقة بالنفس، وهو ما تمت ترجمته عبر رسائله الأسبوعية التي كان يبعثها إلى إخوانه المجاهدين في غزة ومقاومتها الباسلة، بل إلى جمهور المقاومة فيها والذي لم يخذله خلال إضراباته في فعالياتٍ جماهيرية وشعبية في خيمة الاعتصام اليومية التي أقيمت واستمرت طيلة فترة اضرابه وكان لها دورٌ في مساندته جماهيراً ووطنياً وتسليط مزيد من الاهتمام الإعلامي بمعركته، وقد كان الشيخ/ خضر عدنان عبر هذه الرسائل الأسبوعية قادراً بحكمته وهدوئه على مواكبة الزخم الجماهيري والوطني الذي عاصر إضراباته عن الطعام، مؤمناً بأن إخوانه وأحبابه لن يخذلوه وسيستمرون معه حتى تحقيق غايته.
ولم يكن تأثير الشيخ/ عدنان مقتصراً على جمهور المقاومة في غزة، بل امتد أيضاً إلى إخوانه في الضفة المحتلة وعلى رأسها جنين القسام وطوالبة وأبي جندل وجميل العموري، فلم تتوقف أزقة المخيم ولا قراها عن التفاعل معه رغم الملاحقات والتضييق من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وكذلك امتد تأثيره إلى الجمهور الفلسطيني في الداخل المحتل، وإلى جميع أحرار العالم العربي والإسلامي.
خضر عدنان الظاهرة الفلسطينية المنتمية إلى فكرة الجهاد الإسلامي الراقية، والمنفتح على الكل الفلسطيني في آنٍ واحدٍ، فإبان فترة حريته لم يتقاعس يوما عن تلبية نداء جميع محافظات الضفة المحتلة، من زيارة فعالية جماهيرية تقيمها إحدى الفصائل، أو زيارة أسرة شهيد فلسطيني هنا أو هناك، فالدم الفلسطيني لديه سواء، وقد كان مشاركاً رئيساً في جميع فعاليات نصرة الأسرى في الضفة المحتلة، فهو دائم الانحياز لهؤلاء المجاهدين المضحين بدمائهم وأعمارهم، وصاحب خيارٍ سياسيٍ واضح ومحسوم ضد الاحتلال وأعوانه، ولا يقف أمام غيرها من القضايا الهامشية.
اليوم يخوض الشيخ/ أبو عبد الرحمن إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله إدارياً من قبل قوات الاحتلال ويستمر في معركة الأمعاء الخاوية ويقترب من يومه الخمسين بها، ومن الواجب على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية نصرته في هذه المحنة التي يضرب فيها الاحتلال عرض الحائط كل المحاذير الإنسانية والسياسية، في ضوء تيه لدى البعض الفلسطيني، وخذلان كثير من الدول العربي، وتآمر دولٍ أخرى، إن من الواجب علينا دق جدران العالم إيقاظاً للضمائر الحية من سباتها نصرةً للشيخ/ خضر عدنان وإحياء قضيته بدلاً من سياسات طمسها وتقزيمها لحساب قضايا هامشية أخرى.
ختاماً، فإن الشيخ/ خضر عدنان قامةٌ فلسطينية وعربية وإسلامية مضيئة تعمل في قلب الحدث وعلى أرض المعركة التي لا يزال المسجد الأقصى بها أسيراً، وقد تعرض -إلى جانب غطرسة الاحتلال- إلى عددٍ من الاعتداءات من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية وعناصرها المارقة كاستهدافٍ مباشر لنشاطه النضالي والوطني لا الحزبي، وقد استمر صامداً مرابطاً في هذه الأرض المباركة ليقينه بوعد الله أن الظلام الذي خيم عليها والضلالة التي أُلحقت به من اتفاقات سلامٍ مزعومة وتنسيق أمني ستنجلي يوماً ما وستعود الأرض سيرتها الأولى من خلال قدرة الشعب الفلسطيني والإسلامي على دحر هذا الاحتلال وأعوانه، وسينجلي ظلام الاعتقال الإداري عن الشيخ قريباً، وسلوا التاريخ الماضي أو الحاضر القريب والله خير الشاهدين.
