يضج المكان بالتهاني والتبريكات، الابتسامات ترتسم على الوجوه، يتساقط الشعر شيئاً فشيئاً، أصوات ماكينات الحلاقة تعلو، المقص يسري على الشعر بهدوء، العشرات يجلسون على "الكنبة" بانتظار دورهم، الانتظار هنا علامة الجمال!، يأتي صوت من الخلفية "دوري الآن"، فيجيبه آخر "لا بل دوري أنا"، الكل هناك يتسابق نحو "كرسي الحلاقة"، في نظرهم المنتصر هو مَن يتربع على هذا الكرسي، الحلاقة في هذه الأوقات بمثابة كنز ثمين!
هكذا يبدو المشهد داخل صالون الوسيم للرجال، فور إعلان دار الإفتاء الفلسطينية رسمياً عن ختام شهر رمضان المبارك، وحلول عيد الفطر السعيد.
مهنة الحلاقة هي إحدى المهن التي تنتعش خلال فترة الأعياد، وتشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين الذين يحرصون على الظهور بأبهى صورة وأجمل منظر في يوم العيد، وتشكل مصدراً للرزق للعاملين فيها.
الحلاقة هي إحدى المهن التي تضرب بجذورها منذ قديم الزمان، إذ ظهرت لأول مرة عند المصريين القدماء، فهي مكلفة بنظافة وجمال وصحة الشعر.
اشتق اسم المهنة من كلمة "باربا" التي تعني "اللحية" في الترجمة، وكان يُطْلَقُ على المتخصصين الأوائل اسم "الحلاق"، ويتخصص في قص الشعر وتهذيب اللحية للرجال؛ لإبراز زبائنه بصورة أنيقة وشكل جميل.
وجدت أول آلة حلاقة في التاريخ في العصر البرونزي الأقدم، وفي رسوم وجدت على الكهوف لأدوات حادة وعنيفة استخدمها الإنسان القديم في الحلاقة، مثل: أصداف البحر أو أحجار الصوان المسنونة.
منذ ساعات الصباح الباكر، يستقبل الحلَّاق وسيم محمود المصري (27 عاماً) من سكان مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، والعاملين معه، الشباب والأطفال لحلاقة شعرهم؛ بالقصات المتنوعة بما يتناسب مع ملابسهم الجديدة التي سيرتدونها صبيحة يوم العيد.
يحرص وسيم ومن معه على إضفاء جو من المرح ورسم الابتسامة على مُحيَّى زبائنه أثناء عملية الحلاقة، من خلال الحديث معهم بود ولطافة، وأسلوب فكاهي جميل.
خلال شهر رمضان المبارك، جدَّد المصري صالونه، بديكور جديد، وحضَّر كمية كبيرة من مواد الحلاقة والمساحيق؛ استعداداً لهذا الموسم، ليتناسب من ذوق الزبون ويتمتع بالراحة فترة الانتظار.
يقول وسيم: "إن موسم الأعياد يعتبر ذروة العمل للحلاقين، إذ يتسابق الجميع لحجز دور للحلاقة؛ استعداداً لعيد الفطر السعيد والمعايدة".
ويضيف خلال حديثه مع "شمس نيوز": "صحيح أن هذا الموسم يتسم بالتعب والإرهاق، إذ نبقى واقفين منذ صباح آخر يوم في رمضان، وحتى قبيل صلاة العيد، إلا أنه يشكل مصدراً للرزق لنا، ويكون فيه إقبال المواطنين مضاعفاً مقارنة بالأيام العادية".
المشهد نفسه يتشابه تماماً في صالون الماسة للرجال، والذي لا يبعد سوى بضعة مترات عن الصالون الأول، إذ تٌشَكِّل صورة الناس المصطفة لوحة طريفة تنم عن طقوس العيد وبهجته.
انتهى حمدان للتو من الحلاقة لرجل تشير ملامحه إلى الستينات، قصتُه كانت كلاسيكية هادئة تنم عن وقار ورزانة، ثم جاء دور أحد الشبان، بدأ الشاب أحمد (18 عاماً) بشرح ماهية قَصَّةِ الشعر التي يرغب فيها، لا يُفضِّل القصات الكلاسيكية العادية، وإنما تجذبه صيحات قص الشعر الحديثة.
يقول أحمد: "أحب أن أرتِّب شعري وفقاً للصيحة التي أحبها، وفي موسم العيد يجب أن أعتني بنفسي وبمظهري بشكل كبير؛ لأننا سنزور أقاربنا وأرحامنا وبالتالي يجب أن أظهر بشكل لائق".
أما عن الأُجْرَة التي يتقاضها الحلَّاق من زبائنه، فتتفاوت حسب المرحلة العمرية، فالطفل الصغير تكون ثمن حلاقته (3 شواقل فقط)، أما الشباب فتكلفهم الحلاقة من 10 إلى 15 شيكل؛ وذلك وفقاً لطبيعة صيحة الشعر التي يختارونها.