ببطء لم يعهده الأطفال الثلاثة استيقظوا جميعًا بدون شغف، وارتدوا ملابسهم، عيونهم كانت غارقة في بحرٍ من الدموع، جلسوا على الأريكة يتفقدون جدران الشقة المليئة بصور أصدقائهم في تلك اللحظات تذكروا اللقاءات الجميلة التي كانت تجمعهم في المنتزهات وعلى شاطئ البحر؛ لكن صوت والدتهم قطع ذكرياتهم الجميلة ليعيدهم إلى الواقع المُر: "ماما تأخرتم على المدرسة!".
كان الأطفال "مصطفى، وكنان، ومحمد" أبناء الأسير المحرر والمبعد إلى قطاع غزة كفاح العارضة قد تواعدوا مع أصدقائهم "علي وميار" طارق عز الدين؛ للتنزه على شاطئ بحر غزة والذهاب إلى الأماكن الترفيهية؛ لقضاء بعض الوقت من المرح والسرور بعد الانتهاء من العام الدراسي (2022-2023)؛ لكن طائرات الاحتلال الإسرائيلي خطفت فرحة الأطفال لتصيبهم بالحزن والألم الشديدين.
واستشهد الطفلان "علي وميار" برفقتهم والدهما طارق عز الدين في قصف إسرائيلي استهدف شقتهم السكنية في عمارة الدولي غرب مدينة غزة في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء (9-5-2023) إذ نزع المحتل الرحمة والإنسانية من قلبه ليخطف أرواح الأطفال بغمضة عين.
لم يكن خروج أطفال العارضة من الشقة بالأمر السهل، فقد اتجهوا مباشرة إلى الشقة المقابلة؛ لاعتقادهم بأنها شقة "علي وميار"، وقبل أن يدق كنان الجرس، سرعان ما استذكروا أنهم سيذهبون إلى المدرسة لاستلام الشهادات لأول مرة دون أصدقائهم.
لحظات مؤلمة وصعبة جدًا تقول والدتهم لـ"شمس نيوز": "لم يذهب أبنائي إلى المدرسة، أو أي مكان ترفيهي دون علي وميار؛ لذلك كان توجههم إلى المدرسة ليستلموا شهاداتهم الدراسية بالأمر الصعب عليهم، ففي كل خطوة كانوا يتذكرون أحبابهم، ويقولون، علي كان يفعل كذا وميار كانت تحب هذا الأمر".
أكثر ما يؤلم الأطفال هو الذكريات الجميلة التي لا يمكن أن تمحوها السنين، تقول والدتهم بصوت يملؤه الحزن والألم: "كانوا يذهبون مع بعضهم البعض، كانوا يفرحون ويشعرون بالسعادة كغيرهم من الأطفال؛ أما اليوم فقد تغيرت أحوالهم، وباتوا يشعرون بالحزن والألم؛ لكنهم يمتلكون إرادة وعزيمة قوية؛ لأنهم يدركون جيدًا أن "علي وميار" فازوا بالشهادة العليا، وهي الفردوس الأعلى".
لم يقبل أبناء الأسير العارضة أن يتسلموا الشهادات دون أن يلتقطوا صوراً بجانب صور أصدقائهم "علي وميار" كأنها رسالة منهم لأرواحهما الطاهرة بالنجاح الذي حققوه طيلة الشهور السابقة؛ متعهدين بمواصلة طريق العلم والمعرفة لتحقيق النجاح.
وتستذكر والدتهم بقلب يحدوه الأمل واليقين والثقة بالله عز وجل، أن أطفالها "مصطفى وكنان ومحمد" يرددون طيلة اليوم: "علي وميار محظوظين باستشهادهم، فازوا بالجنة وبالشهادة العليا قبلنا".
الواقع المؤلم الذي عاشه أطفال الأسير العارضة هو ذاته الذي عاشه الكثير من الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأصدقاءهم؛ بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين منذ سنوات عدة، إذ راح ضحيته عشرات بل مئات الآلاف من الشهداء الأبطال.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أعلنت ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير إلى 33 شهيدا، و147 شخصًا آخرين أصيبوا بجروح، موضحة بأن من بين الشهداء 6 أطفال و3 نساء.