غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الثانوية العامة رعب مصنوع وطالب مردوع

خالد صادق
بقلم/ خالد صادق

باتت طالبة الثانوية العامة هديل ليلتها مرعوبة تنتظر ساعات الصباح لكي تتوجه الى الامتحان النهائي وكأنه امتحان تقرير المصير, في الصباح ازاداد الرعب والفزع, وكانت تلاحق الوقت والدقائق والثواني حتى تتحصل على اكبر قدر من المعلومات في اللغة العربية لامتحانها الأول, للحظة شعرت انها لا تتذكر شيئا من المنهج الدراسي الذي انكبت على مذاكرته ليل نهار, فبدأت تبكي بحرقة, ووالدتها وشقيقاتها يحاولن دعمهما وتثبيتها وتهوين الامر عليها, وان الأمور لا تحتمل كل هذا التوتر والرعب, «فطالما عملتي اللي عليكي ودرستي وتعبتي سيبي الباقي على ربنا» وخرجت هديل الى الامتحان وهى تجر قدميها جرا, ودموعها لا تزال تنهمر, وكلما اقترب وقت الامتحان وحانت ساعة الصفر لدخول القاعة زاد توترها وخوفها وقلقها وارتعدت اوصالها.

 هذا الحال ربما أصاب 87,817 ألف طالب وطالبة توجهوا بالأمس لتقديم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) في القاعات المُخصصة بالمدارس وذلك في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة, انها حالة توصيف للواقع الذي اصبح فيه الطالب مردوعاً, ويخشى نتيجة الامتحان, ويعيش معاناته كطالب ثانوية عامة, وزارة التربية والتعليم لها دور في زيادة حالة الرعب والفزع لدى طلاب الثانوية العامة, والاسرة التي ينتمي اليها الطالب والطالبة لها دور في ذلك أيضا, وثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده أيضا لها دور, انها كلها تمثل عوامل ضغط ورعب وفزع يعيشها طالب الثانوية العامة, فوزارة التربية والتعليم تعلن الاستنفار استعدادا للامتحان, وتوجه التعليمات بالمسموح والممنوع, وتحذر الطلاب من الغش وتستعين بالشرطة بإفراط لحماية المدارس التي يمتحن فيها الطلاب, وكأنك داخل على ثكنة عسكرية وهذا ينعس بالسلب على نفسية الطالب.

اما الاسرة فتمارس سياسة التهديد والوعيد على مدار العام، فالرسوب يعني الحرمان من كل شيء، والنجاح بتفوق يعني سفرا ورحلة وجوالا وهدايا ونقواد, وفدعوسا امام المنزل, وتهنئة في الصحف, واكاليل من الورد وطوقا من النقود يلتف حول الرقبة, وغيرها من مظاهر البذخ والترف المبالغ فيه, وكأن شهادة الثانوية أصبحت تمثل بداية او نهاية العمر لطالب الثانوية العامة, وكأنه اذا نجح بتفوق حقق كل أحلامه وانتهى طموحه عند هذا الحد, واذا ما فشل فقد انتهت حياته للابد, وكلنا شاهدنا المأساة التي عاشتها الطالبة التي اطلقوا عليها اسم «ام اللوز» وكيف كان انعكاس ذلك عليها, حيث تعرضت للتنمر والانتقادات اللاذعة, وكأنها ارتكبت جريمة بوصفها لاحد الامتحانات بأنه جيد وكان في سهولة نوعا ما في المراقبة, فدفعت ثمن كلماتها العفوية والتلقائية من راحتها, وراحة اسرتها وعائلتها, وبدأ الكل يترقب خطواتها ويعد عليها تحركاتها ويترصد بها مدحا او نقدا.

اما المجتمع حيث العادات والتقاليد والمراسم التي تصاحب ظهور النتائج، والتي تكون حاضرة دائما امام عيني الطالب مثل الفراقيع والألعاب النارية والهدايا والزغاريد ومظاهر البهجة والسرور, كل هذه عوامل ضغط تقع على كاهل الطالب «المردوع», وتؤدي الى زيادة التوتر فهو يتخيل ما سيحدث في المستقبل القريب مع ظهور النتائج, وكأن الطالب اصبح ضحية عادات وتقاليد تترسخ وتزداد يوما بعد يوم في ظل تنامي مظاهر الاحتفال بطلاب الثانوية العامة, وتتبع نتائجهم, انها اثقال تلقى على ظهر الطالب والطالبة, فتصبح الثانوية العامة بمثابة عبء يسعى الى التخلص منه نتيجة كل هذه الضغوط, انه رعب مصنوع, صنعناه بأيدينا وفق رؤية خاطئة, التعليم يتطور بشكل سريع جدا, ويمر بقفزات نوعية, ويتجاوز عقبة النجاح او الرسوب, فمعظم الدول المتطورة تعتمد نظرية التحصيل العلمي وفق منهجية متبعة وأساليب حديثة, دون الخضوع لاي اختبارات تؤدي الى التوتر.

اذكر انني أجريت لقاء مع وكيل وزارة التربية والتعليم عبدالله عبد المنعم في العام 1996م وقد تحدث عن اعداد الخريجين التي باتت تمثل عبئا على السلطة, وعدم القدرة على استيعاب هذا الكم المهول من الخريجين, وقدم لي ارقاما كبيرة عن عدد الخريجين الجامعيين المتقدمين لشغل وظائف, مع محدودية العدد المسموح به لشغل الوظيفة, فالمتقدمون بالألاف والمطلوب العشرات فقط لشغل الوظائف المعلن عنها, وعندما سألته عن المخرج من هذه المعضلة, قال علينا ان نوجه الطلبة لتعلم الحرف, ربما كانت هذه الإجابة صادمة لي في البداية, لكن اليوم ثبت ان من يمتهن الحرفة هو الذي يجد عملا سهلا, وهو مطلوب في كل الدول, ويتقاضى راتبا مريحا.

عديد المؤسسات والمراكز المهتمة بالتعليم قدمت مراجعة وتقييماً لفلسفة وأهداف التعليم العام بما يحقق جودة الحياة لأفراد المجتمع, وفق منهجية واضحة تنعكس بالإيجاب على المجتمع وتؤدي لنتائج إيجابية مفيدة, حيث ربطت التعليم بحاجات المجتمع ومتطلباته من جهة، ومتطلبات العصر والتقدم العلمي من جهة أخرى, وتم مراجعة محتوى المناهج بما يعزز القيم والاتجاهات والسلوكيات التي تمكن الأفراد من التعلم للعيش معا في عالم يتصف بالتعددية والتنوع, مع التأكيد على تحقيق جودة التعليم في المؤسسات التعليمية، من خلال إزالة المفاهيم الخاطئة، ونبذ العادات والتقاليد التي تحد من الأداء والدور المنوط بها, في تنمية المجتمع وتقدمه وتطوره وتحسين أدائه, علينا ان نتخلص من الرعب المصنوع, ونزيل حالة الردع التي يعيشها طالب «التوجيهي» ونشعره بسهولة التعلم والقدرة على تجاوز الامتحان بسلاسة ويسر, حتى نصنع منه مواطنا منتجا يثق في نفسه وقدراته.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".