غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

رصاص وآهات على وقع الجريمة

الطفل محمد التميمي.. رصاصة حاقدة تختطفه من حضن والده فحولت عيد ميلادهم لمأتم!

الشهيد الطفل محمد التميمي
شمس نيوز - مطر الزق

أدارَ هيثم مقود السيارة إلى اليسار قليلًا محاولًا تلاشي الرصاصات القاتلة التي اخترقت الزجاج الأمامي؛ لكن شظايا الزجاج المتناثرة اخترقت جسده، لتتفجر الدماء الساخنة داخل السيارة، وفي الثانية التي أنزل فيها رأسه تحت المقود رمق بعينه التي تنزف دمًا زوجته تقف على ناصية باب المنزل تصرخ بقلب متقطع واضعة يداها على رأسها "هيثم ديربالك، محمد، محمد بنزف!"؛ ليجبها زوجها من أسفل كرسي القيادة "لا تتحركي لا تتحركي، إن شاء الله محمد بخير".

لحظاتٌ مرعبة عاشها هيثم داخل السيارة قبل أن يتمكن من تحريكها لمسافة من (4 إلى 5 أمتار) مبتعدًا عن رؤية جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين في برج المراقبة الذين أطلقوا من خلاله رصاصاتهم القاتلة بدون رحمة وإنسانية؛ في مشهد أعاد للذاكرة استشهاد الطفل محمد الدرة ببداية انتفاضة الأقصى (عام 2000) على مفترق ما كانت تُسمى مستوطنة "نيتساريم" شرق مدينة غزة.

ذاته المشهد تكرر بالقرب من مفترق النبي صالح شمال غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية، عندما حاول هيثم وطفله محمد الوصول إلى سيارتهم؛ استعدادًا لزيارة عائلية في مدينة القدس ليحتفلوا بعيد ميلاد ابنة خالة محمد.

قبل نحو ساعةٍ من اختفاء أشعة الشمس البرتقالية من كبد السماء، بدأت والدة الطفل محمد هيثم التميمي البالغ من العمر (عامان ونصف)، استعدادها للذهاب إلى منزل شقيقتها للاحتفال بعيد الميلاد، قائلة: "كان محمد يحوم حولي منذ الصباح الباكر يريد شراء الحاجيات لعيد الميلاد، كان يحب الخروج من المنزل والتنزه والذهاب إلى خالته كغيره من الأطفال".

فعندما حانت ساعة الانطلاق ارتدى محمد ملابسه الجديدة وارتسمت علامات الفرح والسرور داخل أسوار البيت؛ لكن الصدمة الأولى كانت في الخارج، صوت صراخٍ لجنود الاحتلال على بعد نحو 200 متر من المنزل، طابور من السيارات الفلسطينية التي يحتجزها الجنود على بوابة النبي صالح قرب رام الله، ومشهد لتصويب البنادق صوب المدنيين جذب الطفل محمد ووالده هيثم لمتابعة ما يحدث أمامهم.

مشهد صراخ الجنود الاحتلال والحواجز العسكرية وطابور السيارات يتكرر يوميًا قبالة منزل هيثم التميمي الذي اعتقد للوهلة الأولى أن الأمور طبيعية جدًا، في هذه اللحظة تحديدًا كانت عقارب الساعة تُشير إلى الثامنة والثلث تقريبًا مساء يوم الخميس الموافق (1 يونيو من العام الجاري).

وبعد لحظات قليلة من المشهد عاد هيثم إلى سيارته الجديدة ودفع طفله محمد في المقعد الخلفي من السيارة وجلس هو الآخر على المقعد الأمامي خلف المقود؛ لكنه لم يعلم أن تشغيل سياراته ستكون إشارة ليبدأ جنود الاحتلال في ممارسة إرهابهم والتباهي فيما بينهم لقنص من بداخل السيارة بدقة متناهية.

وفي أقل من ثوانٍ كان زجاج السيارة الأمامي يتطاير في وجه هيثم نتيجة إصابته برصاص قناص إسرائيلي، بينما اخترقت رصاصة أخرى كتفه ومزقت جسده، ولم تكتفِ تلك الرصاصة اللعينة بذلك إنما اختراق مقعد السيارة الأمامي إلى أن وصلت واستقرت داخل رأس الطفل محمد.

مشهد هيثم وطفله محمد وقع أمام مرأى ومسمع زوجته التي كانت تصرخ وتحاول الوصول إلى السيارة لحماية طفلها؛ إلا أن رصاص القناصة الإسرائيليين منعها من التقدم خطوة واحدة، فكان قلبها يتقطع ويتمزق قطعة قطعة إلى أن تمكن هيثم من ابعاد السيارة لأمتار عدة.

على الفور شاهد شقيق هيثم الموقف المؤلم؛ لينقض كالأسد على السيارة، حينها كانت يداه ترتجفان وعيناه تتسعان من هول مشهد، فهناك بركة من الدماء داخل السيارة إذ كان الطفل غارقًا في بركة تغلي برائحة الموت لم يفكر لحظة واحدة فقد قاد السيارة صوب الحاجز العسكري أملًا في انقاذ الطفل محمد ووالده هيثم.

لم يتوقف إرهاب جنود الاحتلال عند هذا الأمر مطلقًا إنما واصلت إرهابها بوقف السيارة والصراخ على من يتواجد بداخلها للنزول فورًا، ففي هذه اللحظة كانت الأمور صعبة جدًا وكادت أن تتطور إلى مأساة كبيرة لولا أن تدخل العقل قليلًا.

"الولد بموت وأبوه مصاب خلونا نمشي" قالها شقيق هيثم؛ فلم يصدقه جنود الاحتلال، تقدم الجنود نحو السيارة مشهرين سلاحهم القاتل صوب الجميع، شعر شقيق هيثم بالغضب الكبير فانفجر في الجندي وكشف وجه محمد الغارق بالدماء فقد كانت عيناه مغمضتين.

تحرك الجنود وسمحوا لهم بدخول الحاجز حتى وصلت سيارة إسعاف فلسطينية وأخرى إسرائيلية نقلت الأولى هيثم إلى المستشفى داخل رام الله بينما نقلت الأخرى طفله محمد بعد أن فارق الحياة، بسبب إجراءات طبية لإنعاش القلب.

وفي هذه اللحظات كانت معركة أخرى لا تقل صعوبة وخطورة عما خاضها هيثم وطفله، وهي معركة زوجته التي تمزق قلبها مرتين الأولى عند مشاهدتها إصابة زوجها وطفلها برصاص الاحتلال داخل السيارة، أما المرة الثانية عندما منعها جنود الاحتلال من اجتياز الحاجز العسكري هنا اضطرت سلوك طريق التفافي بمسافة 8 كيلو متر حتى وصلت إلى المستشفى في رام الله.

ابتلع هيثم ريقه وبدا عليه الإرهاق والتعب أثناء روايته قصته المؤلمة لمراسل "شمس نيوز" إذ يقول: "رواية الاحتلال كاذبة، لم يكن هناك أي محاولة لإطلاق النار، ولم يكن هناك أشخاص مسلحين قرب البيت، الجنود أطلقوا النار مباشرة صوبنا في محاولة لإرهابنا وطردنا من أرضنا".

بعد أربعة أيام من إصابة هيثم وطفله أعلنت مستشفى "تل هشومير" الإسرائيلي عن استشهاد الطفل محمد متأثرًا بإصابته القاتلة في الرأس، ليُشيع الطفل بجنازة شاركت فيها جماهير غفيرة من قرية النبي صالح، وباستشهاد الطفل التميمي يرتفع عدد الشهداء من الأطفال الذين ارتقَوا برصاص جيش الاحتلال منذ بداية العام الجاري إلى 28 طفلا.