أظهرت معركة "وحدة الساحات"، التي خاضتها سرايا القدس، تحولًا ملحوظًا في تاريخ المقاومة الفلسطينية، سيما وأنها أسهمت في تغيير مسار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتميزها بتحقيق إنجازات كبيرة وتعزيز دور المقاومة، وإثبات بفعالية قوة سرايا القدس في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية.
فضلاً عن ذلك، أدت معركة "وحدة الساحات" إلى هزيمة استراتيجية لجيش الاحتلال، وهيبته تأثرت بشكل كبير، نتج عن هذا التحول تكسير الأوهام التي راودت الاحتلال بخصوص بعزل ساحات المقاومة والمواجهة عن بعضها البعض، وتحقيق هدفه بالاستيلاء على مناطق معينة.
ووفق ما يشير محللون فإن هذه المعركة أكدت بشكل قاطع قوة وتفاني سرايا القدس، وقدرتها على تحقيق التوازن في الميدان وتحقيق الردع، مما يضعها في موقع متقدم للمساهمة في جهود تحرير فلسطين والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
مبدأ في أبجديات الجهاد الإسلامي
الكاتب والمحلل السياسي د. هاني العقاد، أشار إلى أن سرايا القدس والمقاومة أدارت معركة "وحدة الساحات" بحنكة عالية، واستمر ردها طوال المعركة بوتيرة ثابتة، وحافظت على كثافة النيران، مبينًا أن "وحدة الساحات" هو مبدأ في أبجديات حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري سرايا القدس.
وقال العقاد، لـ"شمس نيوز"، "المعركة أثبتت تراكم قدرة سرايا القدس والمقاومة، وقدرتها على إيقاع خسائر كبيرة في صفوف العدو، ووسعت رقعة الاستهداف ليصل أماكن حيوية"، منبِّهاً إلى أن قادة جيش الاحتلال لم يقرؤوا المشهد بدقة، واندفعوا نحو عرين الجهاد الإسلامي ما أدى إلى تكبدهم خسائر عدة في عقر كيانه.
وأضاف: "المعركة وحدت الجهد والساحات الفلسطينية، وعززت رباطها بعضها ببعض، لا تفريق بين أحد منها، عندما أخضعت المقاومة العدو للمفاجآت الكبيرة، وأكدت أن غزة لا زالت باقية في ميدان الجهاد، بين المراكمة والمشاغلة، لإبقاء حالة الاشتباك المستمر مع الاحتلال، وإفشال مخططاته وأهدافه".
ويعتقد العقاد أن سرايا القدس امتلكت زمام المبادرة، وأتقنت قيادة المعركة وإحكام السيطرة على قواعد اللعبة، بشكل دقيق، إذ إنها هي مَن حددت توقيت الرد على المعركة، وانتهجت تكتيك الحرب النفسية، قبل أن تبدأ ردها الصاروخي والمدفعي وتدك مغتصبات الاحتلال، وتوسيع رقعة الزيت، حتى آخر ثوانٍ من موعد وقف إطلاق النار برعاية مصرية.
وأشار إلى أن حكومة الاحتلال آنذاك برئاسة يائير لابيد، حاولت تصفية قوة حركة الجهاد الإسلامي، من خلال استهدافها قادتها العسكريين؛ لتحييدها عن إسناد المقاومة في الضفة وتعزيز صمودها، وحشد أصوات ودعايات انتخابية، ولكن هذه المخططات فشلت أمام البسالة التي أبداها رجال سرايا القدس.
وبيَّن العقاد أن السرايا نجحت في تحويل معركة "وحدة الساحات" إلى حرب استنزاف أبقت جبهة العدو الداخلية "الهشة" في حالة ردع تام، وفرضت حظراً تاماً على التجوال في مدن الكيان، وشللاً وخسائر كبيرة في اقتصاد العدو، ما دفع قداة الاحتلال إلى استجداء التهدئة عن طريق الوساطات وغيرهم.
المقاومة في عروق الفلسطينيين
بدوره، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور عمر جعارة، أن عملية الاغتيال الجبانة التي نفذها الاحتلال بحق قادة سرايا القدس، خلال معركة "وحدة الساحات" جاءت في إطار دعاية انتخابية رخيصة، ومخططات خبيثة لتثبت أركان الثنائي "لابيد – غانتس" بعدما أظهرت استطلاع الرأي في الشارع الإسرائيلي أن بنيامين نتنياهو هو الأوفر حظاً في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
وقال د. جعارة، لـ"شمس نيوز": "الماكنة الإعلامية الإسرائيلية حاولت الترويج منذ اللحظات الأولى لعملية الاغتيال، أن المعركة ضد حركة الجهاد الإسلامي فقط، وليس باقي الفصائل الفلسطينية، على قاعدة (فرِّق تسد)، لبث الفتنة والفرقة بين فصائل المقاومة في غزة، والاستفراد بفصيل دون غيره"، مستدركاً: "ولكن مخططاته هذه مُنيت بالفشل الذريع، وخيَّبت سرايا القدس وفصائل المقاومة كل آماله وبددت أحلامه، وأكدت أنها موحدة في الميدان.
وبشأن دلالة اسم "وحدة الساحات" ذكر أنه ترسيخ لارتباط ساحات المواجهة في فلسطين بعضها ببعض، وتعزيز الانتماء للوطن والشعب والدم والمصير الواحد، مشيراً إلى أن الكفاح المسلح والمقاومة هي DNA يسري في عروق الشعب الفلسطيني، وهو الخيار الاستراتيجي لدحر الاحتلال.
وقال د. جعارة: "العدو الإسرائيلي لم يمتلك بنك أهداف خلال المعركة، وهذا أدى إلى أزمة في صفوفه ووقوع جيشه في ورطة ومأزق كبيرين، فقصفوا المدنيين العُزل ونسفوا المنازل على رؤوس أصحابها في قطاع غزة، وقتلوا الأطفال، للتغطية على فشلهم الذريع، وتسويق صورة نصر مزيفة على الجبهة الإسرائيلية الهشة.
وبيَّن أن المقاومة تزداد قوة وصموداً، وأن الاحتلال لا يستطيع إخماد جذوتها المستعرة في الميادين كافة، منبِّهاً إلى أن المخزون الاستراتيجي للمقاومة في قطاع غزة في تطور لافت ومستمر، وهذا ما يظهر في كل جولة تخوضها؛ دفاعاً عن فلسطين ومقدساتها.