يتأهب الغزيون لاستقبال العام الدراسي الجديد وعودة الطلاب لمقاعد الدراسة بجيوب فارغة ووجوه يائسة محملة بالهموم والإرهاق، وأسواق تغزوها الغلاء والكساد، ما جعل قدومه يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الطلبة وذويهم، في ظل اوضاعٍ معيشيةٍ واقتصاديةٍ صعبة يعاني منها قطاع غزة للعام السابع عشر على التوالي، وأرقام فلكية في مؤشرات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي واعتماد السواد الأعظم على المساعدات الإنسانية للدول المانحة.
وتتطابق تقارير واحصاءات رسمية وغير رسمية ان ثمة ارتفاع في نسب الفقر بين صفوف مواطني غزة، والتي تصل إلى أكثر من 53 بالمئة في حين تتجاوز نسبة البطالة حاجز 75 بالمئة ولا سيما في صفوف الشباب والنساء، وهذا يشكل عامل سلبي على القدرة الشرائية للمستهلك.
فيما يتجهز نحو 583 ألف طالب وطالبة من مختلف المراحل التعليمية موزعين على 726 مدرسةً حكومية ومدارس تتبع لوكالة الأونروا استعداداً لاستقبال العام الدراسي الجديد يوم السبت الموافق 26 آب/أغسطس 2023م، وفقاً لقرار وزارة التربية والتعليم.
وتسود حالة من الاحباط واليأس مختلف مناحي الحياة، جراء ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية من ملابس وحقائب وقرطاسية، حتى أنها أصبحت كابوساً يؤرق حياتهم المريرة التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
فحال المواطنة أم يوسف (49عاماً) وهي ترعى أبنائها الخمس بعد أن هجرها زوجها ضارباً بعرض الحائط ديوناً تطرق ابوابها قائلة " لا نملك أي مصدر دخل سوى انتظار مخصصات الشؤون الاجتماعية المتقطعة لنتمكن من توفير أدنى مقومات الحياة، المعاناة مستمرة في كل عام دراسي ولا يوجد مراعاة لظزوفنا الاقتصادية، فقد طرقت كل الأبواب لمساعدتي بدون جدوى".
وتضيف أم يوسف "عدت مصدومة ومحبطة جراء ارتفاع أسعار مستلزمات العام الدراسي الباهظة، حيث تصل أسعار الحقائب المدرسية لأكثر من 10 دولارات، فيما الزي المدرسي يتراوح ما بين (10-15) دولاراً للفرد الواحد".
ولا يختلف حال أم يوسف عن أم محمد صيام (35 عاماً) وهى المعيلة الوحيدة لعائلة مكونة من ستة أفراد في مراحل التعليم المختلفة، الأب عاجز مصاب بشلل لا يقوى على العمل قائلة إن" الحديث عن العودة إلى المدارس يشكل ضغطاً نفسياً وهاجساً ينهك قوانا على التحمل، فقد حرمت إبني الكبير من استكمال دراسته، لكي يعمل ويساعدنا في توفير احتياجاتنا بما فيها مصاريف اخوته المدرسية.
وتابعت حديثها" نحن نعاني الويلات منذ أعوام، لا أحد يشعر بمعاناتنا، آن الاوان لإنهاء الانقسام الذي حل علينا والتخلص منه للأبد ، وإيجاد حلول، بكفي تعبنا من سماع الخطب الحماسية والكلمات الرنانة بلا حظوات فعلية وحقيقية على أرض الواقع".
المعاناة ذاتها يعانيها المواطن الخمسيني أبو عصام وهو موظف على ملاك الأجهزة الأمنية الفلسطينية من تعيينات 2005، يتحدث بسخرية عن الأوضاع التي آلت إليه مختلف الأسر التي يعيلها موظفي قطاع غزة، متسائلاً" إلى متى سيدوم هذا الحال الذي يفرض سيطرته على حياتنا..؟ موسم المدارس كان يعد من المواسم المفرحة لنا، أم الآن اصبح عبئاً ثقيلاً على الموظفين، ثلاث ضربات على الرأس حتما موجعة ما بين رمضان وأعياد وديون والقسم الاخير شراء اللوازم المدرسية، فأنا اليوم اقف عاجزاً غير قادر على الملائمة بين ما هو ضروري وأكثر ضرورية، والكل يتملص من مسؤولياته تجاه شعبنا الذي أضحى متسولاً للقمة عيشه".
وفي زاوية أخرى، مشهد على مفترق الطرقات، حيث عشرات النساء والرجال يتجمهرون حول بضاعة معروضة للحصول على زي مدرسي أو حقيبة مدرسية مستعملة، ليلفت نظرنا المواطن ابو محمود وزوجته ويعيلون خمسة أبناء في المدارس بحاجة لزي مدرسي، وهو ما يفوق قدرتهم على شراء مستلزماتهم، مكتفياً بشراء القرطاسية، موضحاً أنهما قد يضطروا إلى استصلاح زي وحقائب العام الماضي".
الموت السريري
وفي هذا الصدد تحدث خليل بكير صاحب معرض "روزا ستايل للملابس المدرسية"، قائلاً أن" البضائع بكافة أنواعها وأصنافها متوفرة بالأسواق، لكن الحركة الشرائية ضعيفة جداً، فالأسعار في متناول المواطنين، ولكنها صعبة على كاهل من لا دخل له". مبيناً في الوقت ذاته أن غالبية المواطنين يلجؤون للبضائع المعروضة في الطرقات كونها أقل سعراً .
ويشير بكير إلى أن نسبة الإقبال أقل من الاعوام السابقة نظراً للظروف الاقتصادية التي يعيشها أهالي القطاع، ناهي عن ذلك ارتفاع رسوم وفواتير المياه والكهرباء والايجارات والضرائب المرتفعة، فالمعاناة لا تصب على المواطن فقط بل على أصحاب المحلات التجارية أيضاً.
وطالب بكير الجهات الحكومية المختصة في غزة بتحمل مسؤولياتها تجاه أهالي القطاع، وإنقاذ غزة من التدهور المريع في كافة مناحي الحياة.
بدوره أشار مدير عام السياسات والتخطيط بوزارة الاقتصاد الوطني بغزة الدكتور أسامة نوفل، إلى أن أسعار الملابس والقرطاسية متوفرة بالأسواق، وبكميات كبيرة وبأسعار مناسبة رغم تأزم الوضع الاقتصادي وعدم توفر السيولة النقدية في قطاع غزة، والذي ساهم في تفاقم وتدهور الظروف الحياتية والإنسانية وركود في الحركة الشرائية، فحرصت الوزارة على إدخال الكميات حسب حاجة السوق منعاً لأي استغلال أو رفع للأسعار.
وأكد نوفل أن الوزارة اتخذت قرارات عدة، هدفها الحفاظ على الأسعار في موسم المدارس وحماية المواطن والتاجر على السواء، حيث تم توفير المستلزمات المدرسية من زي وقرطاسية وحقائب وادخالها بدون أي رسوم، ومنح تسهيلات لمصانع الخياطة بكامل قدراتها الإنتاجية لتغطية احتياجات السوق المحلي مع متابعة حثيثة في هذا الاتجاه ، فإن المنتج المحلي حاليأ ينافس المنتج المستورد، لذلك يضطر التجار إلى تخفيض الأسعار، نتيجة شدة المنافسة التي تكون دائماً في صالح المستهلك الذي يعاني من أوضاع معيشية صعبة.
وأوضح نوفل في حديثه أن الوزارة تعاونت مع بعض المصانع لفتح خطوط إنتاج لصناعة الدفاتر بغزة لأول مرة بكميات كبيرة، وهذه الخطوة ساهمت بانخفاض سعر رزمة الدفاتر من 12 شيكل إلى 8 شيكل (الدولار الواحد 3.75 شيكل)، وقد تم الاتفاق مع وزارة التنمية الاجتماعية بتأمين ما يلزم للأسر المتعففة من احتياجات للكسوة المدرسية من أجل التخفيف من الأعباء المادية الدراسية.
ونوه نوفل إلى أن هناك رقابة مكثفة على المحلات والأسواق لمتابعة الاسعار والأصناف لحماية المستهلك ضمن الخطة التي وضعتها الوزارة تزامناً مع قرب بداية العام الدراسي، وانها لن تتهاون مع المخالفين المتلاعبين بالأسعار.
الحالة السياسية والمناكفات الفلسطينية هي من اوصلت قطاع غزة بخطى متسارعة نحو الانهيار وخلق أزمات اقتصادية خانقة، أسهمت في تكريسها وتفاقمها، العديد من العوامل والظروف المرتبطة بالاحتلال الاسرائيلي والانقسام الداخلي، وقادت إلى تحديات اجتماعية وتداعيات سياسية .