غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الشهيد عثمان أبو خرج.. أوصل آخر ربطة خبز لوالدته "وانقطع نسله"

عثمان-فلسطين.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

عندما أطلق جنود الاحتلال النار صوب ذراع عثمان تناثرت دمائه داخل زوايا المخبز، فبدلًا من أن تفوح رائحة الخبز الحمر بدت تفوح رائحة الأنفاس الأخيرة، تراجع عثمان نحو 5 أمتار وفورًا استعاد توازنه ثم عاد يصرخ بوجه الجنود، كان أحدهم يطل من فتحة صغيرة في جدار أحد المنازل المقابلة للمخبز فمرر إصبعه على الزناد وأطلق رصاصة قاتلة لتصيب رأس عثمان.

لم يتمكن عثمان من الوقوف أمام جنود الاحتلال فقد سقط على الأرض مباشرة من قوة اندفاع الرصاصة القاتلة؛ ليتلون جسده الطاهر باللون الأحمر القاني، فالفتى عثمان أبو خرج (16 عامًا) توجه لعمله في أحد المخابز ببلدة الزبابدة جنوب مدينة جنين شمال الضفة المحتلة في تمام الساعة (4:15) فجر يوم الثلاثاء (22-8-2023).

ربطة الخبز

لحظات مؤثرة قضاها عثمان مع والدته بعد عودته من صلاة الفجر حاملًا ربطة الخبز التي يُعدها بيديه الجميلتين، "يا إمي هي ربطة الخبز، الجيش الإسرائيلي منتشر بالبلدة ما اتخلي حدا من اخوتي يطلع برا البيت"، قالها بشكل متعجل أثناء ارتداء ملابس العمل؛ فأخبرته "انت وين بدك تطلع!"، أخبرها مباشرة دون تردد وهو يعقد عقدة الحذاء: "اليوم عنا شغل اكتير في المخبز ولازم ننجز العمل من بدري".

أطلقت الأم تنهيدة من قلبها قبل أن تغمض عينيها وترفها أكفها إلى السماء داعية لنجلها عثمان، "الله يحفظك يا إمي وأن يسعدك ويوفقك في عملك"، هنا تقدم عثمان خطوة صغيرة صوب والدته فقبل رأسها وأوصاها بأن تمنع خروج إخوته من البيت.

سبب تسميته عثمان

في تلك اللحظات استعاد والد عثمان أثناء حديثه لمراسل "شمس نيوز" بعضًا من شريط الذكريات الجميلة، قبل 16 عامًا، بصوته الهادئ الرقيق يوضح سبب تسمية نجله بهذا الاسم: "لي شقيق اسمه عثمان اعتقل عام 2003 وأصدرت محكمة الاحتلال عليه حكمًا بالسجن المؤبد مدى الحياة".

وبعد ثلاث سنوات تحديدًا في (شهر أكتوبر من العام 2006) صدحت صرخة مدوية من أحد المستشفيات في جنين معلنة عن قدوم طفل صغير إلى الحياة، وعن تلك اللحظة يقول والده: "تذكرت شقيقي عثمان وقررت مباشرة تسمية طفلي بـ"عثمان" تيمنًا بأخي الأسير في سجون الاحتلال.

لم يكن والد عثمان يدرك تمامًا بأن نجله سيكون نسخة طبق الأصل عن شقيقه، فقد تميز منذ صغره بالصلاة والعبادة، ووفقًا لوالده: "فإن عثمان التزم بالصلاة منذ بلوغه سن الخامسة من العمر، وعندما وصل سن العاشرة كان دائمًا يدفعني للصلاة".

لم يتمالك والد عثمان نفسه فقد بدا صوته حزينًا ومتعبًا عندما واصل حديثه عن الصلاة إذ أشار إلى أن طفله الصغير كان سببًا أساسيًا في التزامه بالصلاة، يقول: "تعلم طفلي الأدب والأخلاق والتربية الحسنة من والدته ومن الصلاة والعبادة فكان نموذجًا للأخلاق"، مستذكرًا أحد المواقف من بعض النسوة اللاتي عبرنا عن سعادتهن من تربية عثمان.

أخلاقه عالية

استعاد والد عثمان تفاصيل المشهد الذي روته إحدى السيدات، "في أحد الأيام دخلنا بلدة الزبابدة وكان عثمان يسير من أمامنا يضع عينيه في الأرض لم يرانا مطلقًا، فقد تعجبنا من حسن تربيته وأخلاق وكنا نتمنى أن نرى جميع الناس بهذه الأخلاق".

في تلك الفترة وما بعدها كان عثمان عبارة شعلة من النشاط داخل البيت وخارجه، فقد كان دائم الابتسامة والفرح والسرور، يرفض الجلوس في البيت ويحاول قدر المستطاع توفير مصروفه من عرق جبينه.

اندفع عثمان للعمل عندما وجد أشقائه الثلاثة قد تخرجوا من الجامعات ولم يتمكنوا من الحصول على وظيفة تليق بهم، حينها قرر أن يساعد نفسه بالعمل في مهن مختلفة؛ وألا يعتمد على أموال والده الذي أكد له استعداده لبيع كل ما يملك من أجل تعليمه.

خاض عثمان تجارب عدة في حياته المهنية إلى أن وصل في النهاية للعمل في مخبز ببلدة الزبابدة في جنين وبدأ يمارس مهنته بكل حب وسعادة، وبدأ يحصل على مصروفه بنفسه كما كان يخطط سابقًا.

سنقطع نسله

توقف والد عثمان لحظة من الحديث ليعود بذاكرته إلى حدث غير حياة نجله يقول: "قبل 4 أشهر من استشهاده اقتحمت قوات الاحتلال البلدة واعتقلوا عثمان لمدة 15 يومًا وعندما أفرج عنه كان دائمًا يسرح بالدنيا وهمومها ومشاكلها".

مر أسبوعين للإفراج عن عثمان من سجون الاحتلال، وفجأة اقتحم الجنود المنزل مرة أخرى، كانوا بالعشرات وآليات عسكرية مصفحة، هنا تفجر والد عثمان غضبًا من المشهد المرعب ليقول للضابط: "ماذا تريدون؟ عثمان طفل صغير ماذا فعل لكم؟"، لكن إجابة الضابط كانت صادمة لوالد عثمان.

"ابنك مخرب، وبوعدك لن ترىَ له أبناء سنقطع نسله منذ اللحظة التي نجده فيها" قالها الضباط وهو يصرخ بصوت مرتفع بوجه عائلة أبو خرج، في ذاك المشهد أصيب والد عثمان بالصدمة فقال لهم: "افعلوا ما تريدون".

لحظة الاستشهاد

عندما وصل والد عثمان للحديث عن لحظات استشهاد نجله أطلق تنهيدة تدل على حجم الألم والحزن الذي أصابه بعد استشهاد نجله: "خرجت من المنزل الساعة الرابعة فجرًا من يوم الثلاثاء للعمل في الأراضي المحتلة، كانت الأمور في البلدة وعلى الحواجز العسكرية هادئة جدًا، ولم يكن هناك أي مؤشر لوجود استنفار أو اقتحام".

بعد أن تخطى والد عثمان الحواجز العسكرية في تمام الساعة الرابعة والنصف تقريبًا وصله خبر إصابة نجله، هنا أدار جسده وعاد إلى البلدة ليجدها محاصرة بالآليات العسكرية والجنود، ولم يكن أمامه إلا التوجه للمستشفى.

بين أروقة المستشفى كانت يقف أحد الشبان باكيًا وملابسه مليئة ببقع الدماء فقال له، "أين عثمان؟"، لم يتمالك الشاب نفسه، فيقول: "لقد أدخلوه إلى غرفة العناية المكثفة"، سقطت دمعة ساخنة من عيني والده.

هنا وضع الشاب يده على كتف والد عثمان وأخبره بالرواية الكاملة: "كان عثمان يعمل داخل المخبز، وفجأة اقتحم الجنود ووقعت مشادة كلامية بينهم وعندما اقترب منهم أطلقوا رصاصة على ذراعه".

يُكمل الشاب روايته لوالد عثمان بحزن وألم شديدين: "تراجع عثمان عن مكان الجنود لـ 5 أمتار وبعد ذلك عاد ليتناقش معهم وأثناء عودته أطلق قناص إسرائيلي النار على رأسه وسقط شهيدًا".

عندما سمع الشاب صوت الرصاص وشاهد بعينيه جريمة إعدام عثمان، أوقد سيارته بشكل عاجل ونقل عثمان مباشرة إلى المستشفى.

لحظات مبكية

بعد دقائق قليلة خرج أحد الأطباء من الغرفة باكيًا يقول: "ادعوا له الشفاء وضعه صعب جدًا"، مر 10 دقائق في غاية الصعبة على عائلة أبو خرج، أطل الطبيب من الغرفة مبتسمًا وقال "الحمد لله نبضات قلبه بدأت تنبض وان شاء الله سيكون له عمر طويل".

عندما سمعت عائلة عثمان بعودة نبضات قلبه، عادت الابتسامة والفرحة على وجه والده، لكن الأمر لم يطل كثيرًا فبعد نحو نصف ساعة، خرج الطبيب من غرفة العمليات باكيًا ولسانه يقول: "ادعوا له بالرحمة".

وشيعت جماهير غفيرة جثمان الشهيد عثمان أبو خرج من بلدة الزبابدة جنوب مدينة جنين، وسط حالة من الغضب الشديد ومطالبات بالانتقام لدماء الشهداء الأبطال.