في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع الغزي من النقص الحاد في الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية والأدوية والعلاجات وكذلك في مختلف مناحي الحياة العامة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 17 عاما، يصر الشاب الفلسطيني على قهر المستحيل وخلق الأمل من رحم المعاناة، ليثبت بأنه قادر على تحقيق المعجزات إذا ما توفرت له السبل والإمكانات والدعم المناسب.
ففي إنجاز فريد على مستوى جامعات القطاع، تمكن نخبة من خريجي دبلوم تكنولوجيا الأجهزة الإلكترونية التابع لعمادة الهندسة والنظم الذكية في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية من تصنيع نموذج لجهاز الإنعاش القلبي الرئوي الأول من نوعه في قطاع غزة المحاصر، وذلك ضمن متطلبات مشروع تخرجهم من الكلية الجامعية – فرع خان يونس.
وانطلاقا من الواقع الاستثنائي الذي يعيشه سكان قطاع غزة، أصر كل من أحمد موسى ومحمد البشيتي وعبد الرزاق أبو طالب وعبد الله دهليز ومحمد الجعفري ومحمد الزمر على تحدي جميع الظروف المأساوية، والعمل على ابتكار جهاز حيوي ومهم تخلو منه جميع مستشفيات الوطن، وذلك في محاولة منهم لتقديم خدمة جليلة للقطاع الصحي والمرضى ليس في قطاع غزة فحسب، بل على مستوى جميع الأراضي الفلسطينية.
وفي تعليق له أفاد موسى وهو خريج بكالوريوس تمريض علاوة على دبلوم تكنولوجيا الأجهزة الإلكترونية: "من واقع تجربتي وعملي لسنوات في قسم العناية المكثفة في مستشفى غزة الأوروبي جنوب القطاع، كنت ألاحظ العوز والحاجة الملحة لوجود جهاز متخصص يوفر خدمة الإنعاش القلبي والرئوي للمرضى وأصحاب الحالات الخطرة من النزلاء، ولكن كان ذلك أمرا غاية في الاستحالة، ما دفعني إلى التفكير الجدي والطويل مع زملائي في الدراسة إلى ابتكار وتصنيع نموذج من هذا الجهاز حسب ما هو متاح في معدات وإمكانات".
وبثقة عالية تقدم الزملاء بفكرتهم الخلاقة لإدارة قسمهم مؤكدين عزمهم على تصنيع جهاز الإنعاش القلبي الرئوي الأول من نوعه في قطاع غزة كمشروع تخرج، وبدأوا مشوارا طويلا من العمل المتواصل لمعرفة تكوين الجهاز وتركيبه وأهم المعدات والأدوات اللازمة لتصنيعه.
واجه الفريق أثناء العمل والتجهيز كمًا كبيرا من التحديات والعقبات، سواء بسب قلة الإمكانيات أو شح الموارد أو انعدام التمويل، فلجأوا إلى استخدام أدوات بسيطة وبديلة، وأمام عزيمتهم وإصرارهم وجدهم واجتهادهم تمكنوا من إنجاز النموذج الأول لجهاز الإنعاش القلبي الرئوي، والذي أثبت كفاءة عالية في الأداء أثناء تجربته.
ويؤكد موسى أن النموذج الأول لجهازAutomated CPR سيساهم بشكل فعال في تخفيف الجهد الكبير الذي يبذله الكادر الطبي العامل في أقسام العناية المكثفة لإنعاش الحالات المرضية، وسيحميهم من الإصابات المرضية خاصة في الظهر، كما سيقلل من أفراد الفريق الطبي والتمريضي المشاركين في عملية الإنعاش وسيحمي المريض بنسبة كبيرة.
وبين موسى أن الجهاز يمكن أن يعمل على البطارية والتيار الكهربائي كذلك، ويمكن استخدامه سواء داخل المستشفيات والعيادات وأيضا في بعض الأماكن العامة إذا دعت الحاجة، والجهاز لا يتجاوز وزنه 10 كيلو غرامات ويتميز بسهولة التركيب والتجميع، ويعمل بكفاءة عالية وبالسرعة والدقة المطلوبة لإنعاش الحالات المرضية.
وأشاد موسى وزملاءه بالجهود المبذولة من إدارة الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية – فرع خانيونس لدعمهم ومساندتهم أثناء مرحلة تنفيذ المشروع وتوفير الإمكانات المتاحة والممكنة لمساعدتهم على إنجاز فكرتهم، والتي تكللت بالنجاح الباهر.
ومن المفترض أن يشكل جهازAutomated CPR نقلة نوعية على مستوى المؤسسات الطبية والصحية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية أو الخاصة، نظرا لعدم توفره على الإطلاق، ولأهميته في مساعدة الطواقم الطبية العاملة في أقسام العناية المكثفة أثناء إنعاش الحالات المرضية من النزلاء