غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

التطبيع الصهيوني السعودي ثمنه اقتصادي وليس سياسي بالنسبة للفلسطينيين

ياسر الخواجا
بقلم /ياسر عرفات الخواجا

هناك جهود أمريكية حثيثة تسابق الزمن في سبيل تحقيق خطوة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وذلك بعدما نجح الرئيس الأمريكي في نقل ملكية الجزر "تيران وصنافير" إلى السلطات السعودية. هذه الجهود تهدف لاستكمال دائرة حلف "أبراهام التطبيعي"؛ لتتشكل بذلك أكبر عملية مرتقبة لاستباحة المنطقة العربية والإطباق عليها عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً. 

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإنجاز الصهيوني السعودي المتوقع قريباً  وبحسب "يديعوت أحرونوت"أن إتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل بوساطة أمريكية بات وشيكا وقريبا وهذا ربما يتوافق مع تصريحات ولى العهد السعودى "محمد بن سلمان" الذى يقول فيه بأن الإتفاق حول خطوة التطبيع تقترب يوما بعد آخر، هذه الخطوة المرتقبة لم تستطع دولة الاحتلال تحقيقها منذ قيامها؛ لتصبح "إسرائيل"  فى حينها دولة وجودية طبيعية ضمن جغرافيا المنطقة ولتتحول إسرائيل من العدو الأكبر إلى الصديق والحليف الأول فى المنطقة، وتتحول من جسماً غريباً فى جسد الأمة إلى جزءا طبيعيا يصول ويجول فى العواصم العربية ليمتلك زمام الدافعية لتمزيق العرب والمسلمين وقدرة أكبر على إضعاف أية جهود للنهضة أو لوحدة الأمة من جديد. وفي المقابل يتم إمداد "إسرائيل" من قبل القوى الغربية بكل مداد القوة والغلبة العسكرية والانحياز العنصرى ككيان يمثل ويحمى المصالح الغربية، وليس هذا فحسب، وإنما تسعى "إسرائيل"  الآن إلى جانب الولايات المتحدة لتطبيق ما يسمى بـ "حرق المراحل" الذي من خلاله سيتم حسم أمر الحلف الإبراهيمي، الأمر الذي من شأنه أن يلقي بظلاله على البعد الديني للعرب والمسلمين.

وإن القفز عن الملف الفلسطيني وتجنب العرب إثارة أي بادرة إهتمام بالقضية الفلسطينية وإعتبارها قضية ثانوية هامشية من شأنه أن يقود إلى مزيد من الضغط على الفلسطينيين وتضييع حقوقهم التاريخية. وربما كان هذا واضحاً من موقف "نتنياهو" الذى نفى بأن تكون صفقة التطبيع  متعلقة بتنازلات للفلسطنينين ، مؤكداً أنه من غير الممكن أن يكون هناك أي  تنازل  إسرائيلي  يُعطى للفلسطينيين، وخاصة في شكل الدولة أو في أي نوع من السيادة، وخصوصاً على أراضي الضفة الغربية، بل اعتبر "نتنياهو" أن  الشراكة مع السعودية هي الأهم.

ربما يكون "نتنياهو" في تصريحاته السابقة هو الأصدق، وذلك ليس لأنه صادق، وليس لأن لديه شفافية عالية وتجرداً موضوعياً، وإنما لأن هذه التصريحات تمثل الاستراتيجية الصهيونية التي تقوم على فكرة الدولة اليهودية الخالصة وعاصمتها القدس بشقيها الغربي والشرقي، وبالتالي فلن يستطيع أي زعيم إسرائيلي الإقرار للفلسطينيين  بالسيادة الكاملة على الضفة الغربية، وذلك لأن مساحات  كبيرة من الضفة الغربية تعتبر جزءاً حساسا و هاماً للدولة الصهيونية، فالضفة الغربية بمثابة العمود الفقري، وهي عصب هذه الدولة ذات البعد التاريخي والاعتقادي التوراتي.

فإذا كان الأمر كذلك من قبل "الإسرائيليين" الذين لم يغيروا مواقفهم أمام أية جهة دولية أو عربية، فلم يستجيبوا لا لقانون دولي ولا للرباعية الدولية، ولا لمجلس الأمن، ولا للقمم العربية المتراكمة، بل بقيت إسرائيل غير آبهة بشيء، و غير خاضعة لأية جهة دولية، فتفعل ما بدا لها، وتستمر في ارتكاب جرائمها كالتمدد الاستيطاني، والتهويد لمدينة القدس وتغيير معالمها التاريخية والدينية، وقتل واستباحة الدم الفلسطيني علناً، وارتكاب أفظع الجرائم الإرهابية بحقه التي توصف بنظر العالم كله بأنها جرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي. 

ولكن رغم كل هذه القرارات الدولية التي صدرت بحق الاستيطان في الضفة الغربية بأنه غير شرعي وغير قانوني، وأنه لا يحق للاحتلال  تغيير أي شيء ديني أو تاريخي أو ديموغرافي في القدس وإبقاء الوضع على حاله، إلا أن "إسرائيل" ضربت بعرض الحائط كل القرارات والتنديدات الدولية والعربية التي ظلت ضمن سياق الأقوال ولم ترتقِ إلى مستوى الافعال، وهي قرارات غير ملزمة وغير رادعة وغير ملجمة للاحتلال، وربما هذا ما شجع الاحتلال على الاستمرار والتعمق أكثر في مشروعه الإحلالي الاستيطاني وبناء واقعٍ جديدٍ عن طريق الاستيطان  والهندسة المعمارية التي تقوم بإنشاء الطرق الالتفافية، وربط المستوطنات بطرق خاصة تؤكد على الأرض استحالة أن يكون هناك أي ترابط جغرافي في الضفة الغربية يُمكِّن من إقامة دولة فلسطينية عليها، بل أن "إسرائيل" بهذا الواقع  تصبح مسيطرة على أغلب أراضي الضفة الغربية إدارياً وأمنياً، وخصوصاً في المناطق التي تريد ضمها لنطاق الدولة اليهودية.

والسؤال الهام هنا: إذا لم يكن لدى الجانب الإسرائيلي أي استعداد حقيقي لربط خطوة التطبيع مع السعودية وتحقيقها على أرض الواقع بتقديم بعض التنازلات للفلسطينيين، فلا بدَّ أن يدفعنا ذلك إلى تساؤل أكبر وأهم، وهو: "ما هى الطريقة السحرية التى ستقوم من خلالها المملكة السعودية بإقناع وإرضاء الطرف الفلسطيني من أجل إتمام خطوة التطبيع المرتقبة؟

ربما ما لفت انتباهي في تصريح ولى العهد السعودي هو قوله: "بالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية، ولدينا مفاوضات متواصلة، ونأمل أن نصل فيها إلى مكان نسهل فيه الحياة على الفلسطينيين، ويتم من خلالها دمج (إسرائيل) في الشرق الأوسط". فيظهر من تصريحات ولي العهد السعودي أنه تحدث عن الشأن الفلسطيني بـ"تسهيل حياة الفلسطينيين فقط"، ويقصد بذلك الجانب الاقتصادي والمعيشي وليس السياسي، وبذلك تحولت الحقوق الفلسطينية العادلة إلى مشكلات حياتية واقتصادية فقط يجب العمل على تسهيلها، بينما عندما تحدث عن الشأن "الإسرائيلي" فقد أشار إلى الدمج العضوي والسياسي والوجودي. هذا التصريح يعطي الحق للطرف الإسرائيلي في أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من المنطقة.

الخلاصة:

على ما يبدو أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بات من الممكن أن يقنع القيادة السعودية بخطوة التطبيع وخصوصا ما كشفته صحيفة "يدوعوت أحرونوت" عن خطة وصفت بالسريةطرحتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل على كل من السعودية والإمارات تتضمن إنشاء جسر برى يربط الدولتين مع ميناء حيفا والأردن لأغراض تجارية وسياحية.

وفى ظل زحمة الخيارات  المتبادلة التى يتسع الفضاء السياسى السعودى لقبول بعض منها ،ربما من الممكن أن يفضى ذلك الى إتفاق  ودمج إسرائيل فى منظومة" الشرق الأوسط"  دون أن تكون الحقوق السياسية الفلسطينية عائقاً حقيقاً في طريق بلورة عملية التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، وخصوصاً أن الإرادة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة لفرض أي ثقل حقيقي على الأرض يدفع الطرف الإسرائيلي للانصياع لهذه الإرادة الدولية  ودفع الاستحقاق للفلسطينيين. 

وأمام هذه الحقيقة الراسخة فإنني لا أستبعد تتويج خطوة التطبيع الإسرائيلية السعودية قريباً دون أن يكون هناك أي ثمن سياسي يُدفع للفلسطينيين، بل سيقتصر الأمر على التحسينات والتسهيلات الحياتية مقابل صفقة التطبيع، خصوصاً في ظل وجود قيادة ضعيفة للفلسطينيين تتمثل بالسلطة الفلسطينية التي تقبل وترضى بأي شيء مقابل تحصيل بعض الامتيازات المالية والاقتصادية لكبراء قادتها، وهي المشهود لها بتضييع حقوق شعبها وبيعها في المزادات الدولية بدءاً من اتفاق أوسلو وما تلاه من تنازلات قدمتها للكيان وللمجتمع الدولي على طبق من ذهب دون مقابل.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".