أسست حركة الجهاد الإسلامي خلال الأعوام الأخيرة فكرة "وحدة الساحات"، وعملت على تجسيدها كأمر واقع لا بد منه في مواجهة العدوان على شعبنا وأمتنا، واستكمالًا لفكرة التأسيس القائمة على وحدة المقاومة والمواجهة دون أي اعتبارات أخرى.
استراتيجية "وحدة الساحات"، التي أعلنت عنها الحركة بشكل رسمي، في أغسطس 2022، في معركتها مع الاحتلال الإسرائيلي للرد على جريمته بحق أبناء شعبنا في الضفة والقدس، واغتيال عضو المجلس العسكري لسرايا القدس، قائد المنطقة الشمالية فيها تيسير الجعبري، أجمع محللون على أنها فككت محاولات الاحتلال لعزل الساحات الفلسطينية عن بعضها البعض.
وأشار محللان في أحاديث منفصلة مع "شمس نيوز" أن مصطلح "وحدة الساحات" يحمل مضاميناً كبيرة وحقيقية، وبات يشكل هاجس رعب وردع لقادة العدو، وفرض توازنات جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى على مستوى الوعي.
حققت إنجازات هامة
الكاتب والمحلل السياسي، د. أحمد رفيق عوض، أشار إلى أن معادلة "وحدة الساحات" جعلت من ساحة الضفة الغربية، ساحةً مشتعلةً بل أخطر الساحات التي لم يتوقعها العدو الإسرائيلي، ما أجبره بدفع نصف قوات جيشه من أجل قمع الظاهرة المسلحة المتنامية في الضفة.
وقال عوض لـ"شمس نيوز": "تحولت ساحة الضفة بفعلها المقاوم المتنامي إلى ساحة خطيرة، وتشكل هاجساً ومخاوف كبيرة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تمكن المقاومون في رفع مستوى المجابهة، ورفع درجة الاشتباك، وتطوره من الحجر إلى العبوة الناسفة، والصاروخ البدائي، -كما يشير المحلل عوض".
وأضاف: "هذا تطور حقيقي في طريقة وأداء المجابهة والصراع، ومحاولة استنساخ لتجربة غزة وجنوب لبنان، وتجسيدها واقعاً في الضفة الغربية المحتلة، وباتت تتطور بشكل غير مسبوق".
وفشل الاحتلال الإسرائيلي في قمع أو إنهاء المقاومة المتصاعدة في الضفة، وهو ما يشير إلى تغير حقيقي في معادلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أن "وحدة الساحات" دفعت قادة جيش الاحتلال إلى زيادة وتيرة تدريب جنودها، وإجراء مناورات عدة تحاكي هجوماً من جميع الساحات المحتملة وتساقط عشرات آلاف الصواريخ عليها، وآلية الرد عليها، -وفقاً لقراءة د. عوض-.
ويُفسر المحلل عوض رؤيته بأن "وحدة الساحات" خلقت هاجساً أمنياً جديداً في "إسرائيل" حول ماذا يمكن أن يحدث لو فَتَحَت الجبهات كلها النارَ عليها في آن واحد، وهو دفع جيش الاحتلال إلى زيادة اعتماده على المخزون والمساعدات الغربية والأمريكية بالذات، في محاولة لإبقاء التفوق العسكري "لإسرائيل"، ومحاولة طمأنة للجبهة الداخلية الإسرائيلية الهشة والضعيفة والرخوة جداً.
ولهذا السبب فإن مصطلح "وحدة الساحات" يحمل مضاميناً كبيرة وحقيقية، وبات واضحاً أنه مقلق بشكل كبير جداً بالنسبة لكيان لاحتلال، من خلال فرضه توازنات جديدة حتى على مستوى الوعي. –كما فسَّر المحلل عوض-، مكملاً حديثه: "كذلك فإن محور المقاومة له أثر وحضور كبير، ويستطيع أن يقدم إجابات، وَخَلَق توازنَ ردع يقلق إسرائيل التي أصبحت تحسب له ألف حساب".
وأضاف: "هذا كله علاوة على أن هناك ساحة تمتلك زمام الأمور ومستعدة بقدر الإمكان، وهي جبهة غزة، إضافةً إلى ساحات وجبهات أخرى مثل: جنوب لبنان، وسوريا، والجولان، وبالتالي فإن كل هذه الجبهات أصبح ينظمها ناظم على الصعيد السياسي والعسكري، وهو ما حاول الاحتلال تفتيته وتفكيكه من خلال الضربات الاستباقية والاغتيالات، ولكنها فشلت عملياً في فصل الساحات عن بعضها".
ويُقدِّر المحلل عوض أن "مسألة وحدة الساحات خلقت رؤيةً استراتيجيةً، ووعياً جديداً بأن الشعب الفلسطيني يمتلك قراراً وإرادةً، ويمكن لهذا القرار أن يكون موحداً وقادراً على التحرك بشكل كبير، وما يجري بالضفة أثبت أن الجمهور الفلسطيني يستطيع أن يُقَدِّم ويبادر بأقل الإمكانيات، في مواجهة العدو.
هذا الوعي والقرار واستعادة القدرة على المبادرة، هو شيء جديد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، -حسبما يرى عوض-.
أصبحت واقعاً مجسداً
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي د. هاني العقاد، مع ما تحدث به المحلل عوض، في أن وحدة الساحات باتت واقعاً مجسداً، وما يدل على ذلك هو انطلاق كتائب وسرايا المقاومة في الضفة الغربية، وتطوير أدائها وفعلها الميداني في الاشتباك مع الاحتلال، إذ يلاحظ تطور نوعي كبير في مسار المواجهة مع الاحتلال، من خلال بصليات الرصاص، والعبوات الناسفة، والصواريخ البدائية.
وقال العقاد، لـ "شمس نيوز"، إن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة فرضتها "وحدة الساحات"، التي تجسدت بعد معركة سيف القدس، وفرضت قواعد اشتباك، ومعادلات جديدة في المجابهة والمقاومة والنضال الفلسطيني".
ويُحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يُفتت جبهات المقاومة ويكسر "وحدة الساحات" من خلال إخراج حركة الجهاد الإسلامي عن دائرة المواجهة، "ورأينا في الحروب والمعارك السابقة محاولة الاحتلال الاستفراد بالجهاد الإسلامي عبر الاغتيال المباغت لقادة بارزين من المجلس العسكري لسرايا القدس، -كما يقول المحلل العقاد.
وفي معرض تفسيره لأسباب استهداف الاحتلال لحركة الجهاد الإسلامي بصورة أساسية ومباشرة، أجاب: "استهداف الاحتلال الإسرائيلي لحركة الجهاد الإسلامي بشكل مباشر بهذه الصورة الجنونية سببه أنها هي التي تعمل وتصر على استراتيجية وحدة الساحات في المواجهة مع الاحتلال، وبالتالي هذا بشكل حالة قلق كبيرة من استهداف الردع الاسرائيلي".
ويرى المحلل العقاد أن غياب حركة الجهاد الاسلامي عن المشهد يعني تصفية للمقاومة الفلسطينية كلها، لأنها الحركة التي لازالت تتمسك بمبادئها ونهجها منذ التأسيس، وحافظت على قواعد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، بل تدفع باتجاه تطوير أدائها المقاوم من فترة إلى أخرى سواء في غزة أو في الضفة الغربية أو في الساحات الأخرى.
واعتبر المحلل العقاد أن حركة الجهاد الاسلامي تجسد حقيقة المقاومة الفلسطينية في كل دوائر الاشتباك مع العدو سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو في ساحات الخارج، وهي ملتزمة بكل الأسس والأطر والاستراتيجيات المُقَاوِمَة.
وتمثل الانطلاقة الجهادية الـ36 لحركة الجهاد الإسلامي انطلاقةً حقيقيةً نحو تطور عمل وأداء الوحدات العسكرية لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مشيراً إلى أن همها الوطني هو تطوير أداء المقاومة الفلسطينية وتطوير عمل مجاهديها، -وفق ما يعتقده العقاد-.
ويقول: "يضع العدو اعتباراً كبيراً لحكرة الجهاد الإسلامي والمقاومة الفلسطينية عند استهدافه غزةَ أو الضفة الغربية، بقدر لا يجرها للدخول في مواجهة كبيرة مع المقاومة، لأن قادة العدو يعملون أن جيشهم والمجتمع الإسرائيلي مستعد في هذه الفترة ولا حتى في المستقبل لخوض حرب جديدة.
ووفق تقدير المحلل العقاد، فإن الحرب الكبيرة في استراتيجيات المواجهة مع العدو الإسرائيلي أصبح شيئاً من الماضي وانتهى مع تجسيد "وحدة الساحات"، بمعنى أن العدو فقد القدرة على تحقيق رد وردع في أي جبهة من الجبهات؛ لأن هناك استراتيجية اسمها "وحدة الساحات" تعمل المقاومة الفلسطينية على أساسها.