غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

"طوفان الأقصى".. معادلات جديدة (1)

قتلى العدو.jpg
احمد الدرزي

 

ما إن قامت حركات المقاومة الإسلامية في غزة، بقيادة حركة حماس التي تصدرت المشهد، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، بشنّ أضخم وأنجح هجوم في تاريخ المواجهات مع "إسرائيل"، حتى بدأت معالم جديدة لموازين القوى في منطقة غرب آسيا تظهر، بما يدفع إلى التفكير في مستقبل هذه المنطقة، رغم أن الحرب الجديدة لم تنتهِ بعد، فحجم النجاح الهائل، رغم الآثار التدميرية على غزة، وضع قواعد جديدة للصراع.

شهدت منطقة غرب آسيا خلال أكثر من 12 عاماً من بدء الحرب في سوريا وضعية مختلفة من عدم الاستقرار بفعل صعود القوى الآسيوية الناهضة واندفاع الولايات المتحدة الأميركية لإفشال تمدد هذا النهوض إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، فكانت الحرب في سوريا هي الضرورة القصوى للعمل على منع تشكل نظام دولي جديد، استناداً إلى نتائج الحرب التي تم خوضها فيها بمستوياتها الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية.

دخلت المنطقة مرحلة عدم الحسم في الحرب السورية، فكل الأطراف المتصارعة وصلت إلى مرحلة التوازن، بما يمنع أن يكون هناك مستقبل واضح مطمئن قادر على تحقيق الاستقرار الضروري لإعادة بناء سوريا وتخفيف الضغوط على من يشاركها الحرب.

وقد ترافق ذلك مع توسع هامش المناورة لكل من السعودية والإمارات اللتين تعملان للحصول على الدور الإقليمي الأبرز من جهة، وعدم استقرار السياسات التركية التي تقفز على كل الحبال، بما يؤمن لها الدور الرئيسي في المنطقة كبديل من الانكفاء الأميركي المحتمل عنها، من جهة ثانية، إضافة إلى "إسرائيل" التي تعيش هواجس فقدان كلٍّ من دورها الوظيفي الذي أُنشئت لأجله، وقيمومتها على مسارات المنطقة كمدخل رئيسي بالتطبيع معها.

دخل محور المقاومة في مأزق حقيقي بعدم قدرته على حسم الحرب بأشكالها المتنوعة التي تُخاض في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن، بالرغم من حجم إنجازاته المتراكمة، فتشكلت معادلات سياسية جديدة تحاول أن تنقل المنطقة من إطار الصراع إلى ساحة التعاون.

ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بحجم الدور الإقليمي لدولها التي تخوض صراعاً مكتوماً حول من يقود منطقة غرب آسيا، والأخرى مرتبطة بوجود هذا الكيان الإسرائيلي المانع لتحولات سياسية إيجابية باتجاه هذا التعاون، وهذا ما رأيناه في السياسات السعودية والإماراتية والتركية.

وقد تشكلت إثر ذلك شبكة علاقات سياسية ملتبسة وحذرة مع إيران التي أفشلت كل المحاولات لاستبعادها وتسريع عملية التطبيع مع "إسرائيل"، في محاولة لإيجاد توازن إقليمين بين إيران والمحور وبين "إسرائيل"، وبالأحرى توازن بين نظام عالمي جديد لم يتم الإقرار به، ونظام عالمي قديم يدافع عن استمراره، فكان لا بد من تحديد كل الأدوار لكل الأطراف.

الأمر لم يتوقف على صراع الأدوار، فما تعانيه دول المحور، بفعل الحصار والعقوبات، بلغ حداً لا يطاق في بعض دوله، وخصوصاً سوريا الجريحة المنهكة المنقسمة على نفسها، وفلسطين المحتلة التي تتواصل فيها سياسات قضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية وبناء المستوطنات، إضافة إلى غزة التي لم تخرج عن كونها سجناً كبيراً.

وهناك لبنان المنقسم على نفسه منذ تأسيسه، والذي تهاوى فيه الاقتصاد، وهناك العراق ما بعد الاحتلال الأميركي، وما أفرزه من نظام محاصصة منقسم على نفسه أيضاً، وهناك اليمن المحاصر أشد أنواع الحصار، وهناك إيران التي تتقدم، ولكن بضغوط اقتصادية متزايدة وأثمان داخلية باهظة.

في المقابل، هناك أزمة إسرائيلية عميقة ازدادت مع عودة نتنياهو، ومعه اليمين المتطرف، فانقسم "المجتمع" الإسرائيلي على نفسه، وتجلَّى في الشارع، ما أبرز مظاهر اللايقين حول مستقبل "إسرائيل".

هذا الجو العام السائد في منطقة غرب آسيا يدفع بمحور المقاومة إلى التدخل لكسر حلقة التآكل الداخلي، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بكسر معادلة التوازن الإقليمي التي لا يؤدي فيها عنصر الزمن دوراً إيجابياً لمصلحة المحور، وهذا ما كانت تدركه الولايات المتحدة وتعمل عليه لإعادة تشكيل بيئة إقليمية لمصلحتها في غرب آسيا، بما يعطل ويحاصر ولادة النظام الدولي الجديد بإسقاط المحور داخلياً بعدما فشلت عسكرياً.

عملت الظروف الداخلية والإقليمية لدول المحور وقواه المقاومة للدفع نحو اتخاذ قرار المواجهة التي يستطيع من خلالها إطاحة كل ما علمت عليه القوى الغربية، بعدما تم استكمال الاستعدادات العسكرية للحروب غير المتماثلة، بما يتيح الفرصة لمحور المقاومة لإسقاط كل المحاولات التي تعمل على إنهائه، من خلال استهدافه النقطة المميتة في المشروع الغربي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا باستهداف "وتر أخيل" الغرب في فلسطين المحتلة.

أظهرت الحرب التي بادرت إليها قوى المقاومة الإسلامية في غزة أننا أمام مشهد مختلف عن كل المواجهات السابقة، فما تم تحقيقه خلال ساعات من بدء معركة "طوفان الأقصى" يشكل نقطة فاصلة بين زمنين، وسينعكس على مستقبل منطقة غرب آسيا بأكملها، بغض النظر عن تطورات المعركة، إن ثَبُتت بوضعها الحالي أم توسعت لتتحول إلى حرب إقليمية، فتحطيم صورة الجيش الوظيفي الذي لا يقهر سيترك آثاره في طبيعة الاصطفافات المقبلة، فهناك خاسرون ورابحون ما بعد الحرب سأبيّنهم في المقال المقبل.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".