يركض المواطن مصطفى غباين من خيمة إلى أخرى في ساحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، باحثًا عن جثمان شقيقه وسط الجثامين المجهولة والمكدسة داخل الخيام أو ثلاجات الموتى أو "ثلاجات الأسكمو"؛ لكنه لم يتمكن من التعرف على جثمان شقيقه مطلقًا لعدم وضوح معالم وجهه وجسده.
يصرخ غباين بغضب وبدون وعي في وجوه المحيطين به من أفراد العائلة الذين هبوا للوقوف إلى جانبه فور سماعهم نبأ وقوع مجزرة إسرائيلية أصابت عائلتهم: "هذه شقيقتي وهذه الأشلاء لبناتها، والأشلاء الثانية لأبناء أخي؛ لكن أين أخي؟ أين أخي؟!".
المحيطون بمصطفى يحاولون قدر المستطاع إقناعه بأن الجثمان الذي أمامه والأشلاء المقطعة تعود لشقيقه، لكنه يرفض ذلك متسائلًا: "كيف لا أعرف أخي فقد ولدت معه ونمنا على سريرٍ واحد لسنوات طويلة؟، كيف لا أعرف أخي الذي أراه كل يوم وهو يبادلني الابتسامات؟".
لم يكد مصطفى غباين إنهاء كلماته المؤثرة حتى انفجرت الدموع من عينيه وبدأت تجري كالنهر بين وجنتيه، وفورًا اتكأ على جسد أحد أقاربه لعدم قدرته على الوقوف وإكمال القصة المؤثرة الذي رواها لمراسل "شمس نيوز".
فمصطفى غباين وعائلته انتقلوا في اليوم السادس تقريبًا من منطقة حي التفاح شرق مدينة غزة إلى منطقة السوارحة في منطقة النصيرات؛ لاعتقادهم بأن المنطقة ستكون أكثر آمنًا لهم ولأطفالهم من منطقة سكناهم؛ لكن الحقيقة المرة أن لا منطقة آمنة في قطاع غزة أمام الإرهاب والمجازر الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين من أطفال ونساء وكبار سن.
يقول مصطفى والدموع ما تزال تشق طريقها على وجهه: "كنا نعتقد أننا في أمان وفجأة استهدفت طائرات الاحتلال المنزل دون رحمة فوق رؤوس الأطفال والنساء وكبار السن كلهم أصبحوا أشلاء أجساد مقطعة جماجم متفجرة وأذرع وأقدام مفحمة".
يُشير مصطفى إلى أن أكبر الأطفال لا يتعدى الـ 10 سنوات، فقد استشهد أخي وزوجته وأطفاله أختي وزوجها وأطفالها، لافتًا إلى أن العائلة قبل يومين احتفلت بعيد ميلاد طفلة صغيرة تحولت إلى أشلاء مقطعة.
يقف مصطفى وخلفه شاحنة محملة بجثث الشهداء ليقول: "هنا 18 جثة من أفراد عائلتي وما زال الباقي تحت الأنقاض، وهناك أشلاء في المستشفى لم نتمكن من التعرف عليها.
ووجه مصطفى غباين وعائلته رسالة للمجتمع الغربي قائلًا: "متى ستتحركون لوقف المجازر الإسرائيلية بحق أطفالنا ونسائنا، كم من فاتورة الدماء تريدون أنا ندفع لتتحرك ضمائركم، كل من يصمت على الجرائم الإسرائيلية هو مشارك في ارتكاب المجازر".