تالا غساني
لن يكون ما بعد 7 أكتوبر كما قبله في تاريخ الصراع مع الاحتلال "الإسرائيلي". المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تُظهر العدو للعالم أجمع بمظهر المنهزم الخاسر، المفرط في الوحشية العشوائية.
نجاح عملية السابع من اكتوبر وضعت القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية في حالة تخبط إزاء الرد الذي قد يعيد لكل هؤلاء وبخاصة الجيش هيبتهم.. فلم يتوانَ قادة الكيان عن تنفيذ أبشع المجازر، من قتل، دمار، تشريد، حصار مدقع، استهداف طواقم الإنقاذ والمستشفيات والصحافيين، ومجازر دون حد.
هذه الجرائم الوحشية على القطاع المحاصر منذ نحو 17 عاماً، لم تكن لتنفذ لولا دعم الدول الكبرى بزعامة الإدارة الأمريكية التي تحولت إلى هيئة أركان فعلية للحرب الإستعمارية على قطاع غزة!..
"إسرائيل" تدوس القوانين الدولية
تُظهر الاعتداءات الهمجية على قطاع غزة، انتهاك "الجيش الإسرائيلي" لمواثيق وقواعد القانون الدولي، إذ نصت "المادة 25" من اتفاقية لاهاي على حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية المجردة من وسائل الدفاع، أيا كانت الوسيلة المستعملة. وبعد أسبوع واحد من بدء العدوان على غزة، أعلنت الأمم المتحدة عن تدمير الاحتلال أكثر من 1300 مبنى في قطاع غزة.
ويؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين يشكل جريمة حرب، وبعد ما يزيد على 7000 شهيد مدني في غزة، يخرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ايان كيلي، وينتقد تقرير الأمم المتحدة لتركيزه على اعتداءات "إسرائيل"، قائلا: "على الرغم من أن التقرير يتناول كل أطراف الصراع، إلا أنه يركز بشكل كبير على ما قامت به إسرائيل"، مضيفًا: "نعلم أن لإسرائيل مؤسسات ديمقراطية للتحقيق في الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها"، معترضًا على وصف ما يقوم به الاحتلال بـ"جرائم الحرب".
كما يحظر القانون الدولي استهداف أفراد الخدمة الطبية كالأطباء والمسعفين ووسائل النقل الطبي والمستشفيات، والضربات التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد. وحتى اليوم فإن الاحتلال "الإسرائيلي" قتل عشرات المسعفين ورجال الدفاع المدني في استهداف مباشر طال أماكن عملهم، إضافة إلى مجزرة مستشفى المعمداني التي راح ضحيتها ألف شهيد، وغيرها من المستشفيات والمراكز الصحية...
وفي اتفاقية جنيف ينص أحد المبادئ الأساسية على "أن لا يكون الصحفيون الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية هدفا لأي اعتداء أو هجوم، بل يجب الحفاظ عليهم وحمايتهم وفقا لآليات وأساليب تحددها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الدولة الحامية أو الطرفين المتحاربين"، وانتهاكًا لهذا القانون الدولي، قتلت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" بعد عشرين يوما من بدء معركط "طوفان الأقصى" 34 صحفيًأ في غزة وجنوب لبنان، عدا عن مئات الاعتقالات والإصابات في قطاع غزة.
موقف مجلس الأمن الدولي
انعقد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18 اكتوبر/تشرين الأول، لمناقشة المستجدات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال "الإسرائيلي"، لكنه وبعد جلستين استثنائيتين لم يتوصل إلى أي نتيجة.
فقد فشل مجلس الأمن في تبني القرار الروسي الذي يدعو إلى وقف إنساني وفوري لإطلاق النار في غزة، إذ صوتت خمس دول لصالح هذا القرار وعارضته أربع، وامتنعت ست دول عن التصويت، واستخدمت أمريكا حق النقض "الفيتو"، ليسقط بذلك مقترح القرار ويخرج عن قابلية التطبيق.
وعبّر الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا عن أسفه لهذا الفشل الدولي قائلا: "إن وفود الدول الغربية سحقت بشكل أساسي الآمال العالمية في أن يضع مجلس الأمن الدولي حدا للعنف" ملقيًا اللوم على "النية الأنانية للكتلة الغربية"، وأشار إلى أن التصويت ميّز بين الدول التي تدعم إنهاء العنف وتقديم المساعدات الإنسانية، وتلك التي "تمنع رسالة موحدة من أجل مصالح أنانية وسياسية بحتة".
وفي كلمة ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمام جلسة مجلس الأمن الدولي، سحب من المقاومة الفلسطينية شرعية هجومها في السابع من أكتوبر، متهمًا إياها بالإرهاب، رغم اعترافه بظلم الاحتلال "الإسرائيلي" للشعب الفلسطيني على مدى عقود. ومما جاء في كلمته: "قد أدنت بشكل لا لبس فيه الأعمال الإرهابية المروعة وغير المسبوقة التي ارتكبتها حماس في "إسرائيل" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. لا شيء يمكنه أن يبرر قتل وجرح المدنيين أو اختطافهم عمدا أو إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية. يجب معاملة جميع الرهائن معاملة إنسانية وإطلاق سراحهم فورًا ودون شروط." وفي إشارة إلى جرائم الاحتلال في غزة، قال الأمين العام: "لقد تعرض الشعب الفلسطيني ل56 عاما من الاحتلال الخانق.. ولكن مظالمه لا يمكن أن تبرر الهجمات المروعة التي تشنها حماس".
لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي تنخرط فيه الأمم المتحدة في اضطهاد ومظلومية شعوب المنطقة، فقرار رقم 687 الصادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، كان من أبرز الأسباب التي مهدت لغزو أمريكا على العراق، إضافة إلى ما تلاه من تمركز مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة داخل العراق.
وبعد مرور سنة و5 شهور على اغتيال الاحتلال للصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وبعد التحقيقات التي أثبتت تعمد قتلها من جيش الاحتلال، فإن "إسرائيل" ما تزال، وستبقى متفلتة من المحاسبة الجدية رغم كل الأدلة التي تثبت إدانتها بمختلف أنواع جرائم الحرب.
التعويل على المجتمع الدولي لا مكان له بين بنادق المقاومين. الفلسطيني يصدّر نفسه اليوم بصورة الفاعل لا المفعول به، والرهان على زناد المقاومين الذين يستبسلون في الميدان بالنار والدم. لقد استولت "إسرائيل" على الأراضي الفلسطينية بالقوة والسلاح، والفلسطيني يدرك أنه لن يستطيع استرجاع فلسطين وتحرير أسراه باستجداء المؤسسات الدولية، التي كانت على طول تاريخ القضية شريكة أساسية في معاناته. ما أخذ بالقوة لا يسترد بالحبر والورق. والفلسطيني اليوم هو الفلسطيني المقاوم المسلح، الفلسطيني القوي القادر، لا الفلسطيني الضحية. هناك محتل، وهناك مقاومة، وهذا العالم لا يفهم إلا لغة القوة والنار والرصاص.