غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بالصور خيمة نزوح وعزاء.. صاروخ إسرائيلي خطف محمود وسط اشتياق مؤلم

خيمة عزاء ونزوح .. طوفان الأقصى شهداء المدارس.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

لا يريد محمد تصديق أذنيه مما تسمع عبر سماعة الهاتف من أحد أقربائه؛ فصرخ بأعلى صوته: "ايش بتقول؟" ثم كررها مرارًا وتكرارًا؛ لترتجف أجساد النساء من حوله ويعم صمت مطبق لفهم ما يجري، وفي تلك اللحظة تحديدًا انتبه الجميع وبدت الآذان المحيطة بخيمة محمد في مدرسة النزوح صاغية لما يُقال: "محمود استشهد؟، ايش بتقول؟".

ثوانٍ قليلة مرت على استفسار محمد نبيل المصري عن حالة شقيقه محمود حتى انطلقت صرخات مدوية من أعماق القلوب الرقيقة للنساء اخترقت حدود الخيمة المشيدة بمدرسة للنازحين غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ثم هدأت قليلًا عندما أمسك محمد نفسه، متسائلًا: "وين كان؟ شو صار؟"؛ لكن صوت المتصل الذي بدا مبحوحًا من كثرة البكاء والحزن أجابه بسرعة "وقعت عليه بناية سكنية من قصف إسرائيلي في المغازي".

لم يتحمل محمد ما يسمع عبر سماعة الهاتف، وركض مسرعًا صوب مستشفى شهداء الأقصى، تاركًا خلفه النساء والأطفال في حالة صعبة جدًا، إذ تجمع جيران الخيمة في مدرسة النزوح لمواساة العائلة المكلومة باستشهاد أحد أبنائها.

أما محمد الذي وصل إلى المستشفى فكان في وضع لا يحمد عليه مطلقًا، الدموع تتطاير من عينيه أثناء ركضه بسرعة، فيما أصيب جسده برجفة شديدة، عندما أشار إليه أحدهم بالتوجه إلى خيمة الشهداء المجهولين في ساحة المستشفى.

تقدم محمد بخطوات مسرعة كاشفًا عن وجوه الشهداء المجهولين، كان المشهد مروعًا داخل الخيمة، أجسادٌ ملطخة بالدماء والأتربة وأخرى مفحمة وأجساد مقطعة، حينما وصل إلى جثمان شقيقه جثا على ركبتيه صارخًا من شدة الألم والمعاناة، مقبلا جبين وجسد شقيقه الطاهر، في ذاك المشهد المروع تلونت ملابسه بدماء شقيقه قائلًا: "لن أزيل تلك الدماء الزكية مطلقًا".

الوقت كان يداهم الجميع، إذ أن مؤشر عقارب الساعة وصل إلى الرابعة عصرًا؛ وفي حال تأخرت العائلة عن مواراة جثمان نجلها الثرى سيضعون أنفسهم في خطر كبير جراء استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في قصف المدنيين على مدار اللحظة دون سابق انذار.

فقد أسرعت العائلة في تكفين نجلها محمود ونقل جثمانه الطاهر مباشرة إلى مقبرة دير البلح لـ "يوارى الثرى"، كانت جنازة مؤلمة وحزينة جدًا، شقيق يودع شقيقه، وآخر يشارك بالجنازة عبر سماعة الهاتف من مدينة رفح أقصى جنوب القطاع لم يتمكن من تقبيل جبين شقيقه نظرًا لخطورة الأوضاع الميدانية بفعل جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة.

محمود نبيل فؤاد المصري وأشقائه "محمد ويوسف وأحمد" نزحوا من مدينة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة إلى مدينة جباليا ومن ثم تفرقت العائلة جنوب وادي محمود نزح إلى مدرسة المفتي في مخيم النصيرات بينما محمد توجه إلى مدرسة البنات الإعدادية في دير البلح أما يوسف وأحمد توجهوا إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع.

كغيرهم من العائلات الفلسطينية النازحة في مدارس الإيواء تعاني من أزمات عدة أبرزها عدم توفر الخبز والمياه، وفي ساعات ظهيرة يوم السبت (4 نوفمبر 2023) توجه محمود إلى بئر مياه يبعد نحو 100 متر فقط عن المدرسة لتعبئة الجالونات بالمياه ليروي عطش أبنائه.

وأثناء تعبئة الجالونات أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بصاروخين على مبنى سكني قرب بئر المياه الأمر الذي أدى؛ لتدمير المبنى بشكل كامل فوق رؤوس ساكنيه وتطاير ركام المبنى؛ لتتساقط على جسد محمود الذي لم يتمكن من الصمود فارتقى شهيدًا على الفور.

محمود متزوج وله 3 أبناء هم "عبيدة - محمد - رؤى"، وكان يحاول قدر المستطاع توفير ما يلزم لأبنائه من مأكل ومشرب وملبس وخيمة تأويهم في ظل الأزمات الطاحنة التي يعاني منها النازحين في مدارس الإيواء، يقول شقيقه محمد: "قبل يومين اتصل محمود وأبلغني عن اشتياقه الشديد، وبعد يومين استجبت وذهبت إلى مكان الإيواء الذي يحتمي فيه محمود وأسرته لكن لم أجده".

يتحدث محمد عن سبب عدم لقائه بشقيقه محمود، فقد كان الأخير ذاهبًا إلى السوق ليشتري بعضًا من الخضروات لأبنائه الصغار، وقد مر الوقت كالسيف وبدأت أشعة الشمس تقترب من المغيب هنا قرر محمد العودة إلى دير البلح حيث مكان إيوائه أملًا في لقاء شقيقه والجلوس معه في وقت آخر.

لم يكن يتوقع محمد أن يكون اللقاء بعد يومين مفجعًا في خيمة الشهداء المفقودين يقول: "كان نفسي أشوفوا واقعد معه، والله إنه من أحسن الشباب المخلصين والمهذبين والمحترمين، لم أتذكر يومًا أنه رفع صوته عليَّا رحمه الله رحمة واسعة".

رغم الألم والفقدان والفاجعة إلا أن محمد كان صابرًا ثابتًا على نهج المقاومة قائلًا: "الحمد لله محمود فداءً للأقصى والقدس والوطن والمقاومة"، ثم سكت قليلًا وعاد رافعًا يديه إلى السماء متضرعًا إلى الله تعالى: "اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى".

المؤلم وفقًا لمحمد هو وداع شقيقه في ظل غياب أشقائه الأخرين يوسف وأحمد المتواجدين في مراكز إيواء بمدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة والذين يعانون ألمًا مضاعفًا.

واللافت أنه فور انتهاء دفن جثمان محمود وعودة محمد إلى خيمته في مركز إيواء دير البلح تجمع النازحون قُبالة أوتاد الخيمة مواسين جارهم الجديد بالفاجعة التي أصابته، وهذا ما يؤكد أن لا مكان آمن في قطاع غزة حتى لو كان مكانًا للإيواء.

 

خيمة عزاء ونزوح .. طوفان الأقصى شهداء المدارس 1.jpg


خيمة عزاء ونزوح .. طوفان الأقصى شهداء المدارس 2.jpg


خيمة عزاء ونزوح .. طوفان الأقصى شهداء المدارس.jpg