أسماء بزيع
في قلب الجمر الذي لم يكد ينطفئ منذ وعد بلفور حتى "طوفان الأقصى"، تسعى "إسرائيل" دائمًا لفصل المقاومة في الضفة الغربية عن قطاع غزة لأسباب تكتيكية وإستراتيجية، وهي أحد أهم الأفخاخ التي تُنصب للفلسطينيين. إلّا أنّ منطق "الفصل" أكثر تعقيدًا من المنطق التبسيطي الصهيوني الذي يسعى لإنشاء "وطن قومي يهودي" "آمناً ومستقراً".. إلا أن الإنتصارات التي تحققها قوى المقاومة في هذه الأيام، تناقض منطقهم، إذ أن ما حدث بالفعل هو أنّ اليهود كانوا أكثر أمنًا في كل مكان في العالم، تقريبًا، باستثناء "إسرائيل"، وبخاصةً بعد مفاجأة "طوفان الأقصى" الصادمة، التي جعلت مسار التاريخ يقف على رأسه بالنسبة لصناع الكيان وقادته.
ورغم محاولات قادة العدو الدائمة لطمس الهوية الفلسطينية، وتقطيع أوصال الشعب الفلسطيني، بين ضفة وغزة وقدس والداخل المحتل واللاجئين، وجدت "إسرائيل" نفسها مجدداً أمام شعب فلسطيني، يرفض تقسيمه وتغييبه. فبـ"وحدة الساحات" إتحد الشعب الذي يسعى للتحرّر من نير الإحتلال، رغم وجوده في ساحات جغرافية متعددة، ورغم كل الخصوصيات التي تفرضها الجغرافيا الحياتية. وفي قراءة جيدة للمشهد، نستطيع أن ندرك حالة الغليان التي وصلت إليها الضفة الغربية والتي لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، والتي تشكّل حالة من الرعب والخوف للـ"إسرائيلي" بعد عمله الدائم لتفكيكها بغية إضعافها. وليس تطوّر العمليات، من جنين، إلى نابلس، إلى طولكرم، وأخيراً منطقة الأغوار، إلّا دليلاً على ذلك.
ما قبل "طوفان الأقصى" ليس كما بعده
أصبحت "كتيبة جنين" و"عرين الأسود" و"جبع" و"طولكرم" وشقيقاتها على امتداد الضفة والقدس المحتلتين، حالةً شعبية مؤرِّقةً ومقلقة لسلطات الاحتلال، برغم الضربات المُثخِنة المتلاحقة، وخارجةً عن طوق "سلطة رام الله". حيث استجابت مدن الضفة مرة أخرى لنداء "عرين الأسود" والخروج في مسيرات حاشدة؛ لإظهار الالتفاف الشعبي للمقاومة في ظل "طوفان الأقصى"، ومن جهة أخرى فإن مقاتلي كتيبة جنين عملوا منذ بدء المعركة على تنفيذ عمليات إطلاق نار ومواجهات مع قوات الاحتلال على الحواجز العسكرية، وتعقب ميليشيات المستوطنين المسلحة.
هذه العمليات تسير وفق مخطط الكتائب في التصدي للاحتلال "الإسرائيلي" ودعم المقاومة في قطاع غزة خلال تصديها للحرب الكونية. والأهم من ذلك عدم اطمئنان الإحتلال في جبهة الضفة، والهدف منها توسيع المواجهة وتشتيت القوة "الإسرائيلية". وقد دعت الكتائب المقاومة شباب الضفة للانخراط في كل أشكال مواجهة الاحتلال.
وقال نداء "عرين الأسود" "يا شباب الضفة الغربية، يا أهلنا على اختلاف تنظيماتكم، اليوم يومكم لكنس المحتل والمستوطنات عن أرضنا". وعلى إثر ذلك انطلقت مسيرات عارمة شاركت فيها مجموعات المقاومة المنتشرة في مدن وبلدات الشمال، كما اندلعت مواجهات واشتباكات في عدة نقاط تماس مع قوات الاحتلال.
إن انخراط الضفة الغربية في المعركة يعتبر ذا أهمية كبيرة على العديد من الصعد، بحيث يوسّع مساحة الصراع، ويضيف ضغطًا على سلطات الاحتلال، ويزيد من تكاليف حربها. ناهيك عن أهمية توحيد جهود القوى الفلسطينية المقاومة، في الحرب المفتوحة مع الاحتلال.