أكد الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الدكتور أحمد ميزاب، أن المقاومة في قطاع غزة تُدير المعركة على الأرض وتتنقل في تكتيكاتها العسكرية بكل حنكة وذكاء؛ وفقًا لخطتها الاستراتيجية التي حددتها منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يُصنف ضمن أقوى 18 جيشًا في العالم.
وأوضح ميزاب في حوار مع "شمس نيوز"، بأن جيش الاحتلال ومنذ أكثر من 50 يومًا لم يتمكن من تحقيق أي نتيجة من الأهداف العسكرية التي حددها منذ إعلانه الحرب على غزة، فلم يُسقط حركة حماس ولم يحرر أي أسير أو أسيرة من أيدي المقاومة، ولم يضعف القدرات العسكرية للفصائل، مشيرًا إلى أن المقاومة تُدير على الأرض قواعد الاشتباك بثبات وقدرات عالية منقطعة النظير.
وشدد على أن المميز في المقاومة الفلسطينية انتهاجها مجموعة من التكتيكات العسكرية الفاعلة والناجحة لضمان ضرب العمق الصهيوني والحد من سيطرته على الأرض، لافتًا إلى أن أبرز تكتيكات المقاومة في هذه المعركة "تكتيك اللدغة" الذي يُعد أحد التكتيكات المستخدمة في الأدبيات العسكرية المؤثرة في العالم.
تغطية متواصلة على قناة وكالة "شمس نيوز" في "تليغرام"
وبين أن الظهور المفاجئ أمام العدو والقيام باستهدافه بشكل مباشر من مسافة صفر ثم الاختفاء بشكل كامل، دفع جنود الاحتلال الإسرائيلي للتصريح عبر الإعلام بأنهم يقاتلون في منطقة أشباح، وهذا ما يفعله تكتيك اللدغة العسكري.
وقال: "رغم استهداف الاحتلال الإسرائيلي لكافة مناطق قطاع غزة على كافة المحاور سواء كان جويًا أو بريًا أو بحريًا؛ إلا أن المقاومة لم تتأثر، وهي تنتقل بشكل نوعي في استخدام أدواتها العسكرية ضد قوات الاحتلال".
ولفت إلى أن المقاومة تقوم بعمليات نوعية من خلال سحب العدو إلى المربعات العسكرية داخل قطاع غزة؛ لتقوم بعملياتها النوعية التي أجبرت قيادة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 3 مرات لمراجعة خطتها العسكرية وبخاصة العملية البرية.
وأرجع الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، سبب مراجعة الاحتلال الإسرائيلي لعمليته البرية داخل قطاع غزة إلى تقدير الموقف غير الدقيق، إذ أن الاحتلال اعتمد على تقدير موقف ليس مبنيًا على حقائق ووقائع ما أدى إلى مفاجئته في أرض الميدان.
واستدل على قوله بتطوير المقاومة لاستراتيجيتها في مواجهة الاحتلال من مسافة صفرية قائلًا: "استراتيجية أنفاق المقاومة تنوعت ما بين أنفاق هجومية وأخرى دفاعية وثالثة إسنادية ما جعل الاحتلال يسقط في شبكة الانفاق التي تشبه شكل خيوط العنكبوت".
ويرى الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية بأن شبكة الانفاق داخل قطاع غزة ساعدت المقاومة في الظهور المفاجئ لقوات ودبابات الاحتلال الإسرائيلي، قائلًا: "عندما يخرج المقاوم من مسافة متلاصقة مع جنود الاحتلال يصعب على طائرات الاحتلال رصده أو كشفه أو إطلاق النار عليه وهذا أهم تكتيك تستخدمه المقاومة داخل قطاع غزة.
ويؤكد ميزاب أن شبكة الانفاق منحت المقاومة القوة في التحكم بشكل فاعل وناجح في ميدان القتال فكانت تستهدف حشود جيش العدو بكل ما تملك من قوة سواء عبر المقاتلين على الأرض أو عبر الطائرات المسيرة الانتحارية أو المسيرات الحاملة لقذائف الهاون.
وفيا يتعلق بتصريحات بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال في بداية الحرب على غزة بعدم التفاوض على الأسرى واسقاط حكم حماس قال الخبير الجزائري: "إن تصريحات نتنياهو خارج السياق قائمة على تقديرات خاطئة ومخالفة للواقع بشكل كامل".
وكان الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية قد توقع منذ اللحظة الأولى لإعلان أهداف الحرب على قطاع غزة بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سيتراجع عنها وسيصاب بانتكاسة وسقوط مدوي في الحرب العسكرية قائلًا: "نتنياهو لم ينجح بإدارة الحرب ضد قطاع غزة والتي تنوعت ما بين عسكرية وسياسية ونفسية، لأنه لم يتمكن من إزالة تداعيات انتكاسات ما حصل في يوم الـ (7 من أكتوبر) والتي زلزلت عمق الكيان تحت أقدام الصهاينة".
بالمقابل أكد ميزاب بأن المقاومة أدارت المعركة بشكل ذكي ومتقن بكافة المستويات العسكرية والسياسية والنفسية، لم يتأخر الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة يومًا واحدًا عن الحرب؛ إلا ويخرج بمؤتمر صحفي بالدلائل والوثائق والأرقام والفيديوهات تكشف فشل الاحتلال الإسرائيلي من إخفاء الخسائر التي تعرضت له.
وشدد الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية على أن قوة المقاومة أجبرت نتنياهو على التراجع عن أهدافه وسياسته ضد قطاع غزة والتوجه صاغرًا نحو صفقة تبادل أسرى مع المقاومة برعاية مصرية وقطرية.
الهدنة انتصار للمقاومة
وعما إذا كانت الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار المؤقت بين المقاومة والاحتلال انتصارًا تسجله المقاومة قال ميزاب: "إن الهدنة الإنسانية التي فرضتها المقاومة على نتنياهو هي انتصار لإرادة المقاتلين في الميدان وصمود الشعب الفلسطيني في الميدان وتمسكه في الأرض، إذ أن الهدنة هي فرصة لوصول الامدادات لسكان غزة وشمال القطاع وضمان نقل المرضى للتخفيف عن الآثار الإنسانية التي يعاني منها السكان في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية".
وبين أن السبب الثاني لتحقيق الانتصار من وراء الهدنة أن المقاومة منحت مقاتليها راحة ميدانية في القتال للتجهيز والاستعداد للمرحلة القادمة بمعنويات ونفسية عالية جدًا تحديدًا بعد تبادل الأسرى وتحقيق أحد أهداف معركة "طوفان الأقصى" بكل نجاح وثبات.
وخلال الهدنة الإنسانية كما يقول الخبير الجزائري "سيندفع المقاتلين بمعنويات عالية لتحديث أهدافهم ورسم نقاط تمركز العدو وقراءة وفهم ما سيقوم به الاحتلال خلال الأيام المقبلة، لهذه الأسباب يمكن القول بأن المقاومة حققت انتصارًا كبيرًا على الاحتلال عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا".
وفيما يتعلق بأعداد الشهداء والجرحى قال ميزاب: "إن طريق النصر والتحرير مكلف جدًا، لذلك فإن كل مواطن فلسطيني استشهد هو ضربة قاسمة لظهر الكيان الصهيوني ورسالة عزة وانتصار على العدو المجرم"، مستذكرًا الكثير من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي ضد الجزائريين (منذ عام 1839 حتى 1962).
وأشار إلى أن الاحتلال الفرنسي أقدم (عام 1945م) على ارتكب محرقة يندى لها الجبين عندما خرج الجزائريون يطالبون بالوفاء بالقرارات الدولية التي منحت الشعب الجزائري حق تقرير المصير إذ استشهد خلال أسبوع واحد فقط أكثر من 45 ألف جزائري، فيما استذكر مجزرة عام 1962 والتي أحرق خلالها نحو 1800 جزائري من قبيلة واحدة بعدما حجزتهم قوات الاحتلال الفرنسي في مغارة بأحد الجبال".
ولفت إلى أن طريق التحرير والخلاص من المحتل مكلف جدًا لذلك فإن أي شهيد على طريق التحرير هو انتصار ويمنح القوة والعزيمة للمقاتلين لمواصلة الكفاح والتضحية من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو التحرير والانتصار.
وختم الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الحوار قائلًا: "إن معركة طوفان الأقصى التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في الـ(7 من أكتوبر 2023) ستُدرس وستكون واحدة من أهم القواعد العسكرية في المستقبل ضمن العلوم العسكرية في العالم".