غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

سحابة من الدخان الملوث تلف غزة وتهدد المواطنين والنظام البيئي

قصف إسرائيلي على غزة السنة الدخان تتصاعد.jpg
شمس نيوز - فلسطين بوست

تلف قطاع غزة سحابة من التلوث الكثيف، التي باتت تشاهد بالعين المجردة، وتظهر على شكل ضباب أو دخان في الأفق، بينما يشعر الكثير من المواطنين بأثرها، من خلال تداعياتها الصحية المتصاعدة.

ومنذ بدء العدوان، باتت تلك السحابة تتزايد، ويتصاعد تأثيرها، خاصة في أوقات المساء من كل يوم، مع تركيز التلوث في مراكز محافظتي رفح وخان يونس، جنوب قطاع غزة، والتي نزح إليهما مئات آلاف من المواطنين.

 

ثلاثة مصادر للتلوث

وبات واضحاً أن السحابة المذكورة لها ثلاثة مصادر، الأول وهو الأخطر، ونجم عن الغبار والدخان الكثيف الناجم عن القصف وانبعاثات من القنابل والصواريخ التي تسقطها الطائرات وتطلقها الدبابات، والذي يظل عالقاً في الأحياء السكنية وبين المنازل، خاصة مع تراجع قوة الرياح، والطقس المستقر أغلب الأيام، وثقل العناصر، ونزولها على الأرض في الكثير من المناطق.

أما المصدر الثاني من الدخان فهو ناجم عن سيارات الأجرة، ومولدات كهرباء، والتي تستخدم زيت الطعام كوقود، بديلاً عن السولار المفقود، إذ تستهلك تلك المركبات والمولدات كميات كبيرة جداً من هذا الزيت يومياً، وتُخرج كميات كبيرة من العادم الثقيل، وهو عبارة عن دخان زيت نباتي محروق، ذو رائحة كريهة، وتأثير ضار جداً على الجهاز التنفسي، يُشاهد يخرج من عوادم السيارات، وينتشر في الشوارع، وتُشم رائحته في كل الطرقات.

بينما يبقى المصدر الثالث للدخان وهو ناجم عن اشعال أغلب منازل القطاع الحطب والخشب والكرتون، لإنضاج الخبز وطهي الطعام، في ظل نفاذ غاز الطهي، وانقطاع الكهرباء، وهي عملية مستمرة لا تتوقف، ويصدر عنها كميات كبيرة من الدخان، الذي يكاد لا يتوقف عن التصاعد من الأحياء السكنية، ما يسهم في تلويث الأجواء.

 

مواطنون يعانون

واشتكى مواطنون من تأثير التلوث عليهم، إذ يقول الأربعيني يوسف عاشور، والذي كان يمشي في وسط محافظة رفح بخطوات سريعة، وهو يرتدي كمامة، يغطي بها فمه وأنفه، من الروائح التي بات يشمها، موضحاً أن القطاع يعيش أسوأ موجة تلوث في تاريخه، وإن كان إثباتها حتى الآن لم يحدث، فأثرها واضح من خلال أمراض الربو، والتحسس، والسعال، وأمراض جلدية، يعاني منها عدد كبير من المواطنين.

وأكد أنه يقف على شرفة بيته في المساء، وينظر إلى الأفق، فيشاهد بشكل واضح ما يشبه الضباب، وكأن دخان يلف القطاع، وقد بدأ يعاني من مشاكل صحية، وزار عيادة "الأونروا"، وحصل على أدوية، لكن حالته لم تتحسن كثيراً، فالمسبب مازال موجوداً.

وأوضح عاشور أن زوجته تعاني مشاكل في الجهاز التنفسي منذ ما قبل العدوان، ومع موجة التلوث الحالية، باتت حالتها الصحية أكثر سوءاً، ومن أجلها، يواصلون إغلاق النوافذ، رغم خطر اغلاقها في أيام التصعيد بسبب القصف، وتتجنب الخروج من المنزل، وتداوم على شرب أعشاب طبية.

 

روائح قاتلة

وخلال أيام العدوان، رصدت وسائل الإعلام، تصاعد دخان كثيف مع كل موجة قصف إسرائيلية تستهدف الأحياء السكنية في القطاع، حيث تنتشر في محيطها روائح كريهة غير معهودة، أكد الكثيرون ممن استنشقوها أنها تختلف عن رائحة البارود أو الغبار، وتتسبب بضيق في التنفس، وحرقة في العينين.

وقالت المواطنة نسمة أبو جزر من سكان حي الجنينة بمحافظة رفح، إن مرورها تصادف مع قصف استهدف منزلاً في الحي، ما تسبب بإصابتها وأبنائها بشظايا، موضحة أنه ولأكثر من خمس دقائق غصت المنطقة بأسرها في ظلام دامس من شدة الغبار، وعانت اختناق شديد، لدرجة انها نطقت الشهادتين أكثر من مرة.

وأوضحت أنها ما زالت تعاني من سعال، وضيق في التنفس، ويخرج من السعال مخاط أسود.

أما المواطن خليل عبيد، فأكد أنه كان يشم في كل مرة يحدث فيها قصف رائحة غريبة، لا يعلم ما هي، ورغم أنه عايش أكثر من عدوان، إلا أنها هذه المرة الأولى التي يشتم مثل هذه الرائحة فيها، ويخشى أن يكون الاحتلال بدأ باستخدام صواريخ جديدة ضد غزة، ربما تحتوي على مواد سامة ومسرطنة، قد تظهر تأثيرها في وقت لاحق.

ونوه إلى أنه كان بات يطلب من أفراد عائلته تغطية وجوههم بقطة قماش مبللة بالماء، في محاولة لمنع تسرب الغازات السامة لأجهزة الجسم.

ولفت إلى أن سكان القطاع سيعانون من مخاطر موجة التلوث التي يعيشونها حالياً في المستقبل، وسيظهر ذلك من خلال أمراض تصيب فئات عمرية مختلفة، ويظل أثرها ممتد لسنوات طويلة.

 

تلوث بالمعادن الثقيلة

ووفق شرطة هندسة المتفجرات، فإن الاحتلال يستخدم قنابل "MK84"، والقنابل الموجهة " 3GPU"، وهي أنواع خطيرة تحوي مادة تسمى "تروتونال- Tritonal وتضم في تركيبتها 75% من مادة "T.N.T" شديدة الانفجار و25% مادة "الألمونيوم"، وعند اتحادهما لحظة الانفجار تتحول المادة إلى غازية، وينتج عنها أكثر من 40 عنصر من المعادن الثقيلة السامة، تنتشر على مساحات واسعة من الأرض، وهذه تعتبر من اخطر مصادر التلوث، وأكثرها تسبباً بالأمراض.

كما يتواصل وجود أكوام كبيرة من ركام المنازل المدمرة في كافة أنحاء القطاع، والتي نجمت عن قصف البيوت على رؤوس ساكنيها، لدرجة أن هذا الركام تسبب بإغلاق شوارع، وعرقل الحركة، إضافة لأن وجوده ينذر بمشاكل صحية وبيئية متزايدة، ويعتبر مكاناً لنشر المعادن الثقيلة السامة، التي تنتج عن انفجار الصواريخ.

وإلى جانب التلوث بالمعادن الثقيلة، أكد مواطنون أن الركام المنتشر في كل مكان، يتحول تدريجياً لما يشبه المزارع للجرذان والقوارض، التي بدأت تتخذ منه بيوت لها، وهذا ينذر بانتشار أمراض وأوبئة، قد يكون الطاعون أحدها.

 

تلوث الفسفور الأبيض

وشهدت مناطق واسعة في قطاع غزة، قصفا إسرائيليًا مركزاً بقذائف الفسفور الأبيض، التي تنفجر في الهواء ويتناثر منها مئات الكتل النارية المشتعلة، التي تنزل على الأرض، وتحرق كل شيء يصدفها، سواء منازل، أو مزارع، أو ممتلكات للمواطنين، أو حتى أفراد.

وأكد نازحون من مخيم جباليا استطاعوا الوصول لمحافظة رفح بعد عناء ورحلة مخاطرة كبيرة، لـ"فلسطين بوست"، إن المدفعية الإسرائيلية استهدفتهم بقذائف الفسفور وهم نازحون فارون، فسقط شهداء ومصابون بتلك القذائف.

وقال المواطن النازح خليل عودة، كنا نسمع انفجار القذفية في الهواء، ثم يبدأ كل ما حولنا بالاحتراق، ونسمع صراخ المصابين، بينما يملأ الدخان الأبيض ذو الرائحة الكريهة المكان.. كل ما كان باستطاعتنا فعله هو الجري والهرب، والبعض رمى متعلقات وملابس كانوا يحملونها بعد أن طالتها شظايا الفسفور الأبيض واشتعلت، خشية أن تصيبهم النيران.

ووصف عودة هذا النوع من القذائف بالخطير، فالشظايا التي تسقط على الأرض تصدر صوت وهي تشتعل، ولا تنطفئ بالماء، بل يزيد اشتعالها حال تم سكبه عليها.

يذكر أن الاحتلال كان استخدم قذائف الفسفور الأبيض لأول مرة خلال عدوانه على القطاع عام 2008/2009، وتسببت هذه القذائف بارتكاب مجزرة في مدرسة الفاخورة، بمخيم جباليا، راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات المصابين.

دراسات سابقة

ولطالما أجريت دراسات، ربطت بين القصف والقنابل التي تطلقها إسرائيل على قطاع غزة، وبين ارتفاع نسب التلوث، خاصة بالمعادن الثقيلة، وهو أخطر أنواع التلوث.

فوفق دراسة سابقة أجراها الباحثون علاء مسلم، ومحمد المغير، ومحمد الأغا من ثلاث جامعات بغزة، نشرتها "المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث" في مارس/آذار 2019،  بعنوان "أثر الكوارث الطبيعية على المياه والتربة في شمال قطاع غزة حالة دراسية قرية "أم النصر-القرية البدوية".

وكشف الباحثون أن نتائج فحص 14 عينة تربة تعرضت للقصف شمال القطاع ملوثة بالمعادن الثقيلة Pb-Co-Mn-Cu-Cr-Ni.

وأظهرت الدراسة أنن تركيز النحاس أعلى 30 مرة عن الحد الطبيعي، والمنغنيز أعلى بـ144 مرة عن المسموح به في التربة، والكروم والكوبالت أعلى بخمس مرات من الطبيعي، وسجل عنصر الرصاص ارتفاع 12 حده الطبيعي، والنحاس والرصاص يعتبران من العناصر الأخطر المسبب لمرض الفشل الكلوي والسرطان، إضافة لعناصر الكلورايد والأمونيا، التي وجدت بصورة كبيرة في مياه الشرب بعد فحص 14 بئر مياه.

تحذيرات من أمراض

وكانت منظمة الصحة العالمية، قالت قبل أيام إنها تشعر بقلق بالغ من انتشار الأمراض في قطاع غزة، حيث تسبب القصف الإسرائيلي المستمر منذ أسابيع في تكدس السكان في الملاجئ مع نقص شديد في الغذاء والمياه النظيفة.

وقال ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية "ريتشارد بيبركورن": "نشعر بقلق بالغ بخصوص انتشار الأمراض عند حلول موسم الشتاء".

وأضاف أنه جرى رصد أكثر من 70 ألف حالة عدوى تنفسية حادة وما يربو على 44 ألف حالة إسهال في قطاع غزة المكتظ بالسكان، مشيرا إلى أن الأعداد أعلى بكثير من المتوقع.