في كلمته خلال مهرجان "وحدة الساحات.. الطريق الى القدس" (25 أغسطس 2022)، صرّح القائد زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أن هذه المعركة "فتحت آفاقًا لشعبنا الفلسطيني في الشتات، ليعمل حتى يكون جزءًا مهمًّا في المعارك القادمة مع العدو. كذلك كانت تعبيرًا حقيقيًّا وصادقًا للشعارات التي نرفعها، بأن شعبنا واحد، ومصيرنا واحد، ومسؤوليتنا واحدة".
لقد تأكدت وحدة الساحات في معركة "طوفان الأقصى" التي اندلعت من قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وأثمرت جهود الفصائل الفلسطينية المتواجدة في الشتات في بث الوعي وتحشيد اللاجئين الفلسطينيين، على الأقل في لبنان وسوريا، والانخراط في المعركة الكبرى التي تخوضها المقاومة الفلسطينية. لقد حوّلت فصائل المقاومة مخيمات الشتات الى بؤر ثورية، كما كانت قبل اتفاقيات أوسلو المشؤومة التي أبعدت اللاجئين وقضية اللجوء عن معركة التحرير، وجعلتها قضية إنسانية فقط تتحكم فيها الأونروا والدوائر العالمية.
يشارك اليوم الشعب الفلسطيني في الشتات في معركة "طوفان الأقصى" عبر حركاته المقاومة، انطلاقا من لبنان خاصة. وكان قد صرّح عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، الشيخ علي أبو شاهين (10/10) أن "الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات يدافع عن أرضه ومقداساته في ظل المجازر التي ينفذها الاحتلال بحق شعبنا... عدوان الاحتلال ليس فقط ضد غزة بل يستهدف الكل الفلسطيني، وعليه فإن أبناء شعبنا في الضفة الغربية والشتات هم جزء من المعركة، ومن حقنا القتال حتى العودة الى أرضنا". انطلاقا من الانتماء الى القضية الأم ومن أجل تحمّل المسؤولية الى جانب المقاومين في فلسطين، دخلت سرايا القدس (ساحتا سوريا ولبنان) وغيرها من القوات الفلسطينية المقاتلة في المعركة.
لقد ارتقى 8 شهداء من "سرايا القدس" منذ بداية المعركة، من ساحتي لبنان وسوريا :
ساحة لبنان في يوم 9/10/2023: الشهيدين حمزة حسن موسى (مخيم البرج الشمالي) ورياض محمد قبلاوي (مخيم عين الحلوة)، ويوم 29/12/ 2023، الشهيد محمد فريج الفريج (مخيم برج الشمالي) من كتيبة الشهيد أبو حمزة المجذوب.
وساحة سوريا: في يوم 7/12/2023، الشهيدين محمد أحمـد صالح ومالك أحمـد عمر من كتيبة الشهيد علي الأسود، ويوم 21/10/ الشهيد الشهيد أسامة محمد خير ذيابات والشهيد محمد محمود موسى، ويوم 29/12، الشهيد على محمد جبريل من كتيبة الشهيد علي الأسود.
الجهود المتواصلة التي قامت به المقاومة، لا سيما حركة الجهاد الإسلامي، في المخيمات الفلسطينية، في سوريا ولبنان، قبل وبعد معركة "وحدة الساحات"، انطلقت من رؤية وطنية ثورية، لمواجهة بالفعل والممارسة، كل المشاريع الدولية التي تخطط لها قوى الاستكبار العالمي، منذ اتفاقيات أوسلو وحتى قبلها، لإنهاء قضية اللاجئين، من خلال تهجيرهم أو توطينهم في بلاد اللجوء.
ارتكزت هذه المخططات على 1 - تدمير المخيمات وتهجير سكانها بفعل الحروب الجانبية، الفلسطينية أو العربية (لبنان، سوريا، العراق). 2 - تقليص المساعدات الدولية عن طريق الأونروا (مساعدات إلزامية في التعليم والصحة والتشغيل، وفقا لقرار الأمم المتحدة) وغيرها من المؤسسات من أجل إفقار المجتمع وجعل أبناءه يهاجرون "طوعيا" بحثا عن لقمة العيش والحياة الكريمة. 3 – بث الفتن بين اللاجئين الفلسطينيين والمجتمعات المجاورة وتهميش المخيمات وتصوريها كبؤر إجرامية بدون هوية (لبنان خاصة)، لخلق بيئة معادية لوجود المخيمات، لتسهيل عمليات التهجير القسري إذا لزم الأمر. 4 – تغيير الوعي والهوية لدى اللاجئين، من خلال الجمعيات المموّلة أجنبيا ووكالة الأونروا التي تعمل لصالح "المجتمع الدولي"، من أجل فك الارتباط بين اللاجئ وقضيته، والكف عن المطالبة بالعودة الى فلسطين وانتشار اليأس بين أبناء الشتات، والتفكير بمستقبل يتمحور حول الذات، بعيدا عن المجتمع والشعب. وكل ذلك، لإرضاء المشروع الصهيوني في فلسطين وإبعاد اللاجئ عن أرضه وقضيته، ومنع تحملّه مسؤولية واجبه الوطني، كونه جزء مهم من الشعب الفلسطيني.
منذ نكبة عام 1948، يحاول العدو الصهيوني تفتيت المجتمع الفلسطيني عن طريق تعامل مختلف مع كل جزء منه ورفض اعتبار الشعب الفلسطيني كيانا موحدا، كشعب له أرض واحدة ومصير واحد. فاعتبر بعضهم "مواطنين" غير مرغوب بهم، وغيرهم "مقيمين" بانتظار تهجيرهم، ومنهم أعداء يجب تصفيتهم وقتلهم، وآخرين يجب تهجيرهم وسرقة أراضيهم، وآخرين تخلّص منهم "الى الأبد" عندما هجّرهم خلال النكبة وبعدها الى الدول العربية المجاورة. لكنه في الوقت ذاته، فهو يوحّد مصيرهم عندما يستهدفهم أينما وجدوا (اغتيال القائد صالح العروري في بيروت قبل أيام)، ويسعى الى محو هويتهم الجامعة، الهوية الفلسطينية المتجذرة باختراع تاريخ مزيّف وسرقة ما يحلو له من التراث الفلسطيني.
من أجل وضع حد لتدهور وضع اللاجئين في مخميات اللجوء، حيث تفاقمت في السنوات الأخيرة الأزمات السياسية والمعيشية والأمنية، أخذت حركات المقاومة على عاتقها تحسين الوضع المعيشي : إنارة المخيمات وتوزيع المساعدات العينية في المناسبات الوطنية (حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على الأقل)، افتتاح مراكز شبابية في المخيمات، تكثيف الدورات التثقيفية، في كل من لبنان وسوريا، والدعوة الى المشاركة في المناسبات الوطنية والدينية المختلفة، الى جانب أنشطة مختلفة تقوم بها المؤسسات النسائية والشبابية على مدار السنة، لمحو تأثير البرامج التصفوية التي تنفذها الجمعيات المموّلة غربيا. إن لم تكن هذه الأنشطة جديدة، إلا أن دخول حركات المقاومة بقوة فيها وتوسيع دائرتها في معظم المخيمات، أنتجت حراكا مختلفا، كونه يركّز على الوعي السياسي بدلا من الاهتمام بالوضع المعيشي فقط.
ما ساعد على هذا الانعطافة، هو التزامن مع معارك خاضها الشعب الفلسطيني ومقاومته في فلسطين المحتلة في الفترة الأخيرة: معركة "سيف القدس" (2021) ، عملية نفق الحرية من سجن جلبوع (2021)، معارك مخيم جنين الممتالية كان أهمها قبل "طوفان الأقصى" معركة "بأس جنين" (يونيو 2023)، العمليات الفدائية في القدس والداخل، معارك "وحدة الساحات" و"ثأر الأحرار" (مايو 2023) بعد استشهاد الأسير القيادي خضر عدنان واغتيال القادة في سرايا القدس، والتي أشعلت المخيمات، حيث انخرطت جماهيرها في حملات الدعم والمساندة إعلاميا وعبر أنشطة مختلفة كالندوات والمسيرات. فخوض المعارك ضد العدو يشكّل أفضل بيئة لتثقيف المجتمع وتثويره.
مشاركة ساحات الشتات في معركة "طوفان الأقصى" الى جانب الساحات الأخرى التي يتواجد فيها الشعب الفلسطيني، عسكريا وجماهيريا وإعلاميا، قد تنتج حالة نهوض ثورية في المخيمات، وخاصة في لبنان، تفرض على الجهات المتآمرة وغيرها سلوكا آخر يأخذ بعين الاعتبار وحدة الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية والمعيشية، لأن في هذا العالم المتوحّش الذي تقوده الولايات المتحدة، التي تفرض سياستها الإجرامية على شعوب العالم، لا مكان آمن للضعيف والمستسلم. فمعركة "طوفان الأقصى"، مع استمرارها، تؤسس لعملية نهوض الشتات الفلسطيني عبر مشاركته في تحمّل مسؤولية التحرير. هذا هو الحل للتخلّص من التهميش ومشاريع التهجير والتوطين، وللتأثير على شعوب الأمة وشعوب العالم.
بقلم: راغدة عسيران