غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

عندما يحتاج المستوطنون الصهاينة الى مرتزقة!..

شمس نيوز -

راغدة عسيران

منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كثرت الأخبار حول وجود مرتزقة يساعدون جيش الاحتلال في مهماته القتالية. لقد ورد في مقابلة مع الأستاذ الجامعي البريطاني دافيد ميلر، الذي تم إقالته من منصبه بسبب موقفه المعادي للصهيونية، أن المرتزقة الذين تدفقوا الى "إسرائيل" للمشاركة في العدوان يُعدون بالآلاف، وهم غالبا من الدول الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا، أوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة). يمكن إضافة مشاركة مرتزقة من جنوب أفريقيا (المستعمرون الأوروبيون القدامى)، كما تبيّن من خلال موقف برلمان جنوب أفريقيا الذي صرّح أن هذا "يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وارتكاب المزيد من الجرائم الدولية مما يجعلهم عرضة للمحاكمة في البلاد". وفي فرنسا، فضح نواب من حزب "فرنسا الأبية" اليسارية الراديكالية، المرتزقة الفرنسيين، مطالبين السلطات الفرنسية اتخاذ تدابير قانونية إزاءهم.

فقدّم النائب الفرنسي، توماس بورتس، شكوى جنائية ضد 4185 جندياً فرنسياً بجيش الاحتلال، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة.

يعني ذلك أن وجود المرتزقة، اليهود وغير اليهود، في جيش العدو، يشاركون في عملية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لم يعد مسألة سرّية.

من هم المرتزقة بشكل عام ومن هم المرتزقة في كيان العدو؟

وما الذي يميّزهم عن المستوطنين المجندين والاحتياطيين ؟

المرتزقة، حسب تعريف الأمم المتحدة (1949 و1989) هم من يقاتلون في نزاع مسلح أو يشاركون فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية لمكاسب شخصية، وليسوا موفدين من دولهم لمهمات خاصة، و"هم جنود مستأجرون ليحاربوا من أجل دولة أخرى غير دولهم، لتلبية مصالحهم الخاصة بهم بعيدا عن المصالح السياسية أو الإنسانية أو الأخلاقية." (الجزيرة)

لا تتناسب كليا هذه المواصفات مع من يعتبرون مرتزقة في الكيان الصهيوني، حيث ان طبيعة المستوطنة الصهيونية، كمستوطنة يهودية، تجعل من المستوطنين أيضا نوعا من المرتزقة لدى القوى الامبريالية، لأنهم جاؤوا الى بلاد ليست لهم، ويحاربون شعبها واستوطنوا بلادها ويحاولون تهجيرها خارج وطنهم، لصالح قوى استعمارية غربية. لكن احتاج المستوطن اليهودي الى مرتزقة، يهود أو غير يهود، أي من لم تكن نيته البقاء في الكيان عندما وصل اليه لمحاربة الشعب الفلسطيني.

يشير الباحثون الى أن ظاهرة المرتزقة في "إسرائيل" قديمة، سبقت إقامة الكيان على أرض فلسطين. لقد تدفّق المرتزقة الى فلسطين، وخاصة من سلاح الجو، لدعم العصابات الإرهابية اليهودية في حربها ضد الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرضه وتهجيره، وحسب المعطيات الرسمية الصهيونية، كان عددهم حوالي 3000 مقاتل، منهم ما بين 150 الى 200 غير يهودي، قدموا من الدول الغربية وإفريقيا الجنوبية ودول في أميركا اللاتينية، والذي يميّز هؤلاء المرتزقة، اليهود وغير اليهود، هو أن أغلبيتهم عادوا، بعد إقامة الكيان الاستيطاني وتشكيل جيشه، الى أوطانهم الأصلية، في حين انضم أفراد منهم الى كيان العدو وأصبحوا مستوطنين.

يتوزّع المرتزقة في الكيان الصهيوني الى فئات مختلفة، منهم ما يسمى بـ"الجنود المنفردين" (مركز مدار)، أي الذين قدموا من بلدان أخرى، دون عوائلهم، ليقاتلوا في صفوف الجيش. يستفيد الكيان من خبرتهم ومشاركتهم في القتال، كما يستفيد منهم بعد عودتهم الى بلدانهم الأصلية ليكونوا مخبرين للموساد أو منتمين اليه، أو مناصرين لسياسة الكيان في بلدانهم، وحتى مؤثرين في سياستها، من خلال الإعلام والاقتصاد. ووفقا لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فأن بعض المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، كمستوطنة "نير يتسحاق"، كان يعيش فيها 245 "جنديا منفردا"، ويشارك اليوم أكثر من 7000 "جندي منفرد" في جيش العدو (مدار).

هناك أيضا فئة "المزدوجي الجنسية" أي اليهود الذين يتمتعون بجنسية بلادهم الأصلية إضافة الى "الجنسية الإسرائيلية"، وهم من تدفقوا عبر المطارات للمشاركة في حرب الإبادة التي شنها جيش العدو على الفلسطينيين في قطاع غزة. لقد فضح العدوان الحالي وجود مرتزقة من هذه الفئة، القادمين من فرنسا وإفريقيا الجنوبية خاصة، كما فضحت معركة طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر، وجود عدد كبير من "مزدوجي الجنسية" في صفوف جيش العدو، يشاركون في الأعمال القتالية "العادية" ضد الشعب الفلسطيني، كالضابطين البريطانيين اللذين قتلا يومها، أو الذين أسروا لدى المقاومة، وهم يحملون جنسيات أميركية أو فرنسية أو غيرها.

وهناك الفئة التي تضم العنصريين الفاشيين الذين جاؤوا ليحاربوا الفلسطينيين والعرب والمسلمين والدفاع عن "الديمقراطية والحضارة الغربية" التي تمثلها "إسرائيل" بالنسبة لهم، تماما كما فعلوا حين شاركوا في الدفاع عن النظام الأوكريني في حربه مع روسيا. لا يعترف الكيان الصهيوني بهؤلاء المرتزقة عندما يقتلون، ولا يقيم لهم جيش العدو مراسم رسمية. وهذا ما يفسَر أحيانا الاختلاف في عدد القتلى لدى الجهات الرسمية الصهيونية ولدى المقاومة الفلسطينية.

ويمكن إضافة الى هذه الفئات المشاركة في العدوان، العسكريين والمستشارين والفنيين الذين قدموا بصفة رسمية بناء على طلب حكوماتهم الأصلية، من اليهود أو غير اليهود. هؤلاء ليسوا مرتزقة بالمعنى المعترف به دوليا، لأنهم يتبعون أوامر حكوماتهم، لكنهم يشاركون في المجازر المرتكبة في قطاع غزة..

تمثل ظاهرة "مزدوجي الجنسية" في جيش العدو حالة خاصة بسبب الطبيعة اليهودية للكيان الاستيطاني، أي أن إقامة الكيان الصهيوني على أساس أنه يمثل اليهود في العالم، وهو يتاجر في تاريخهم ويخترع لهم تاريخ وهمي، تخلق أزمة لدى دول سيادية، كجنوب إفريقيا مثلا، خاصة عندما تصطدم سياسة هذه الدولة بسياسة الكيان الاستيطاني.

ويسبب وجود هؤلاء ومشاركتهم في حروب الكيان أزمة لدى الدول التي ينطلقون منها، لأنهم يستفيدون من كل مميّزات المواطنة في بلدانهم ويحاربون لصالح "دولة" أخرى، خاصة إن كانت كيانا استيطانيا يقترف جرائم حرب، وذلك دون موافقة دولتهم الأصلية، ما يؤثر على سمعة هذه الدولة، إن غضت النظر عن هذه المشاركة ولم تتخذ إجراءات قانونية ضدهم للمحافظة على مفهوم المواطنة لديها.

تعاني الدولة الفرنسية، منذ عقود، من مشكلة "الجنسية المزدوجة" لدى الفرنسيين اليهود، خاصة وأنها شنّت حملة قمعية شرسة ضد الفرنسيين المسلمين، تخص أمور تعتبر أقل حساسية من التجنيد في بلد آخر، كالتعبير عن الهوية مثلا.

ظاهرة المرتزقة عموما في كيان استيطاني كالكيان الصهيوني ليست غريبة ولا استثنائية، وليست محصورة في المشاركة في جيش العدو. لقد تطوّرت هذه الظاهرة واتسعت الى مجالات أخرى، كالمشاركة في سرقة الأراضي الفلسطينية وتدميرها واقتلاع أشجارها، الى جانب قطعان المستوطنين في الضفة الغربية، كون الكيان الصهيوني يشكّل اليوم "الواحة" الاستعمارية الأكثر وضوحا لاستقطاب العنصريين والفاشيين في العالم.