غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

وهم وعقبات مبادرات "حل الدولتين" بعد حرب غزة!

رأي-عبد-الله-730x438.jpg
د. عبد الله خليفة الشايجي*

من أبرز نتائج عملية «طوفان الأقصى وحرب إبادة إسرائيل على غزة وسكانها الذين حُشروا بحرب الإبادة الوحشية المدمرةرـ في رفح على الحدود المصرية لإجبارهم على الهجرة القسرية إلى سيناء، هو نشر الوعي عربياً ودولياً والتعريف بأهمية مركزية القضية الفلسطينية، وذلك بعد تراجعها وتهميشها.

كما نجحت إدارة ترامب مقابل مكاسب بعقد صفقة القرن «الاتفاق الإبراهيمي» لإدماج إسرائيل في المحيط العربي، بالتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع دولة الإمارات والبحرين في قلب الخليج العربي ومع السودان والمغرب. على حساب القضية الفلسطينية وليس لمصلحتها. وفي خرق للمبادرة العربية التي أجمع عليها العرب في القمة العربية في بيروت عام 2002 «الأرض مقابل السلام»- الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة- مقابل الاعتراف والتطبيع العربي الكامل مع إسرائيل.

وبتحول الحرب على غزة إلى حرب استنزاف مكلفة للجانبين-مع بدء شهرها الخامس- أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتسليط الضوء على السلوك الممنهج المتوحش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وفضح جرائم الاحتلال الموثقة على مدى 75 عاماً، ووقف حد لتراجع مكانة القضية الفلسطينية، برغم تكرار بيانات القمم والاجتماعات العربية الختامية أن القضية الفلسطينية تبقى قضيتهم المركزية.

ونشهد اليوم ما ينذر بتوسع رقعة الحرب بجولة الانتقام الأمريكي الأولى ضد أهداف للحرس الثوري الإيراني وفصائل مدعومة من إيران في سوريا والعراق وقبلها ضد الحوثيين في اليمن.

في ظل ذلك، أعلن وزيرا الخارجية الأمريكي والبريطاني بشكل ملغوم التفكير بالاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح ـ كحل لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي وحروب غزة المتكررة.

لكن هذه الوعود التي تتكرر منذ عقود تصطدم بعقبات يصعب تذليلها، بدءاً من موقف نتنياهو وشركائه في حكومته الأكثر تطرفاً في تاريخ حكومات الاحتلال وصولاً لحزب الصهيونية الدينية ـ وربطه بالبعد الديني التوراتي ـ بأحقية قيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ورفض ترسيم الحدود. وتفاخر نتنياهو شخصياً بأنه يرفض اتفاقية أوسلو بعد 30 عاماً من توقيعها بين (إسحق) رابين وياسر عرفات بوساطة الرئيس (بيل) كلينتون عام 1993 ـ التي أسست السلطة الفلسطينية. كما يفاخر ويكرر نتنياهو علناً، رفضه حل الدولتين-لأن ذلك يهدد أمن إسرائيل ـ وتقديم مثال على عملية حماس ضد إسرائيل بـ«طوفان الأقصى». ما يحرج الرئيس بايدن ورؤيته لأهمية قيام دولة فلسطينية لإنهاء الصراع.

ويبقى التحدي لمن يروجون لحل الدولتين الذي يبدو سراباً ـ كيف يمكن وقف إطلاق النار أولاً وإنهاء حرب الإبادة وإقناع الحكومة الأكثر تطرفاً التي ترفض حل الدولتين بشكل سافر وعلني أن تقبل برؤية حل الدولتين؟!

لكن السؤال المهم ما هي جدية المقترح الأمريكي ـ البريطاني المتناغم؟ وكيف يمكن أن يحقق حل الدولتين التي تبقى رؤية واستراتيجية الإدارات الأمريكية المتعاقبة. أكد الناطق باسم الخارجية الأمريكية نهاية شهر يناير الماضي: «تسعى الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل» وترى إدارة الرئيس بايدن، أن هذه أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة ككل. ونقل موقع اكسيوس الإخباري الأمريكي أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب إجراء مراجعات وتقديم خيارات سياسية بشأن الاعتراف المحتمل بدولة فلسطينية بعد حرب غزة. وعدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض ـ الفيتو في مجلس الأمن.

وأكد وليم بيرنز مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية في مقال مهم له في دورية فورين أفيرز قبل أيام «إحياء الأمل في سلام دائم يضمن أمن إسرائيل، وكذلك إقامة دولة فلسطينية والاستفادة من الفرص التاريخية للتطبيع مع السعودية ودول عربية أخرى..".

لكن يعقّد مواقف بايدن إصراره رفض وقف الحرب وتزويد آلة القتل "الإسرائيلية" بالسلاح والغطاء. وذلك برغم التباين والخلافات بين تل أبيب وواشنطن، وتصاعد الخلافات داخل حكومة الحرب "الإسرائيلية"، وتوسيع بايدن حربه في المنطقة، وكذلك دور الكونغرس، بدعم مجلس النواب مشروع قانون يحظر دخول جميع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى الولايات المتحدة! هذه تحديات يصعب تذليها!!

فيما أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون عن تفكير الحكومة البريطانية: الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأنه يجب إعطاء الفلسطينيين أفقاً سياسياً لتشجيع السلام في الشرق الأوسط. وهذا موقف ملفت من بريطانيا صاحبة الإرث الاستعماري ووعد بلفور وتمهيد الطريق لقيام كيان الاحتلال وتقسيم فلسطين.

فيما أصدر الرئيس بايدن بعد طول انتظار أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات الخزانة الأمريكية على 4 مستوطنين متورطين بالعنف في الضفة الغربية لتهديده الأمن ومصالح الولايات المتحدة. وكأن المأزق في عنف المستوطنين وليس في نهج وتمكين الإدارات الأمريكية حكومات إسرائيل وخاصة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال لقطعان المستوطنين ليعيثوا تدميراً وتنكيلاً بالفلسطينيين وأملاكهم ومزارعهم ومحاصيلهم الزراعية بتدميرها وحرقها وحتى قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية.

كذلك يروج ويشرح الكاتب الصحافي توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز والمقرب من صناع القرار في الولايات المتحدة ـ لمبدأ واضح للرئيس بايدن مكون من ثلاثة أركان. إحدى تلك الركائز العمل على بلورة مبادرة دبلوماسية أمريكية غير مسبوقة للترويج لدولة فلسطينية ـ تتضمن شيئا من «الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشترط قبلها العمل على تطوير قدرات ومؤسسات أمنية فعالة لا يمكنها تهديد إسرائيل. وإن إدارة بايدن تستشير خبراء من داخل الإدارة وخارجها".

لكن الحقيقة الواضحة ـ أن أفضل ما يمكن توقعه بعد مفاوضات ماراثونية دون تحديد سقف زمني، لا تفضي لدولة تتمتع بسيادة كاملة بل «دولة فلسطينية منزوعة السلاح». يسبقها ممارسة ضغوط للمضي بالتطبيع مع المحيط العربي، وخاصة الجائزة الكبرى مع السعودية. ما يقلب المبادرة العربية رأساً على عقب، بجعل التطبيع يسبق قيام الدولة الفلسطينية المزعومة. فلا ننخدع بترويج وهم حل الدولتين!

 

*استاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت