غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

سقوط الأوهام طريق التحرير

المقاومة طريق التحرير (صورة أرشيفية)
راغدة عسيران

أسقطت معركة "طوفان الأقصى" التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023، وحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني التي شنّها العدو، بدعم العواصم الغربية وبعض الدول العربية، أوهام كثيرة لدى شعوب الأمة وبعض نخبها. لقد أعاقت هذه الأوهام طريق التحرير، تحرير فلسطين وشعوب الأمة من الهيمنة الغربية على بلادنا وعقولنا، وشوّشت الرؤية وبعثرت الجهود وبثت الفتن.

لقد سقط وهم الغرب "الإنساني": فالمشاركة العملية (السلاح والرجال والمال) واللفظية (البيانات والتصريحات) في حرب الإبادة، التي خرجت وما زالت تخرج عن العواصم الغربية (الأوروبية والأميركية والأسترالية) أسقطت شعارات وهمية طالما تغنى بها الغرب الاستعماري، وخاصة في العقود الأخيرة، حول المساواة والديمقراطية في العالم. فظهرت الدول الغربية كما هي في الحقيقة: قوى استعمارية عنصرية تغص بالكراهية إزاء الشعوب الحرة ولا تعترف بحرية وكرامة الشعوب، فهي قوى مستعدة لسحق كل القيم الإنسانية للمحافظة على كيان عنصري أوجدته من أجل مصالحها المادية وسيطرتها على العالم.

لقد سقط وهم صدق الاعلام الغربي الرسمي وشبه الرسمي والممّول من قبل الشركات العالمية، والمدعي للموضوعية: أثبتت معركة طوفان الأقصى المجيدة أن هذا الإعلام الغربي ليس إلا صورة مطابقة للأصل العنصري الصهيوني. منذ يوم السابع من أكتوبر، بثت معظم أدوات هذا الإعلام الأكاذيب والروايات الملفقة حول المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بشكل عام.

لقد برّرت المذابح التي ارتكبها جيش العدو بحق الشعب الفلسطيني بتبني أكاذيب العدو، ورفضت بث الرأي الفلسطيني والعربي على قنواته وشاشاته، وتلقّت تعليمات مباشرة من قيادة جيش العدو حول ما الذي يجب قوله، عبر مكاتبها في القدس المحتلة. لم تنقل هذه الأدوات الإعلامية ما يجري فعليا في قطاع غزة، بحجة أنها لم تتمكن من التواجد فيه، وما زالت تشكّك بالأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية الفلسطينية، الخاصة بالمذابح والمستشفيات، لكنها اصطحبت القوات الصهيونية الغازية على دباباتها، ونقلت حرب الإبادة من وجهة نظر القوات الغازية المتوحشة. لقد اكتشفت الشعوب الحرة أن إعلامها البديل الذي أسسته منذ عقود أصدق وأشمل من هذا الإعلام المزيّف المحتقر للإنسان والإنسانية.

لقد سقط وهم الدور الذي تلعبه هيئة الأمم المتحدة وكافة المنظمات الفرعية التابعة لها، كـ"الغذاء العالمي" و"الصحة العالمية" و"حقوق الانسان" و"المحكمة الجنائية" و"المحكمة الدولية" وغيرها، لإرساء حق العيش بأمان وكرامة في العالم، إضافة الى منظمة الصليب الأحمر الدولي التي توضّح تحيزّها الصارخ الى جانب الاحتلال الصهيوني، خلال عملية تبادل الأسرى.

لقد أوهمت هذه المنظمات العالم وشعوبه بأنها مستقلة وتسعى لإرساء السلام والأمن، عبر الوقوف ضد الظلم والظالمين، لكنها أثبتت أنها تابعة للدول الغربية وتسعى لتحقيق مصالحها أولا وأخيرا. لقد تراجعت هذه المنظمات أمام التوحّش الصهيوني المدعوم أوروبيا وأميركيا، وتركت أهل قطاع غزة يموتون من الجوع والمرض، تطبيقا للإرادة الصهيو-أميركية. انسحبت وكالة الأونروا، كمثيلاتها الأممية، من شمال القطاع، منذ بداية حرب الإبادة، بطلب من الجيش المتوحش، ولم تتمكن حتى من مواجهة المستوطنين الذين يمنعون دخول شاحناتها الى الشعب الفلسطيني.

لقد سقط وهم دور المنظمات الإنسانية والمهنية والحقوقية غير الحكومية، التي تمولّها العواصم الغربية، والتي كانت تدعي أنها تعمل لصالح الشعوب وليس لصالح الشركات الكبرى في العالم. اتضح، خلال حرب الإبادة، أنها لا تتجرأ على الوقوف أمام الصهاينة وداعميهم، وخاصة الولايات المتحدة. المثال الأوضح هو موقفها من المجزرة التي طالت الصحافة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي لم يسبق لها مثيل في العالم، حيث ارتقى أكثر من 130 صحافيا ومصورا خلال حرب الإبادة، ودمّرت معظم المكاتب الصحافية، كما تم اعتقال عشرات الصحفيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أي إدانة أو التفات الى المسألة. من ناحية أخرى، توضّح أكثر دور منظمات المجتمع المدني التي تغلغلت في المجتمعات العربية، بدعم مالي ولوجيستي غربي، والتي لم تتحرك دعما لفلسطين كما تحركت دعما لأوكرانيا، قبل سنتين، وذلك انسجاما مع إملاءات مموّليها.

أسقطت معركة طوفان الأقصى وهم التعايش مع كيان متوحشّ عنصري، متعطش لدماء الشعوب، يعيش على اسطورة نسجها الغرب الامبريالي للتخلص من اليهود من جهة وتوظيفهم في صراعه مع شعوب الأمة من جهة أخرى. لقد سقطت أمام أعين العالم أجمع صورة الكيان الصهيوني المتمدّن الساعي للسلام مع العرب. أثبتت حرب الإبادة التي شنّها ضد أهل قطاع غزة أن الغزاة الصهاينة الذين استوطنوا في فلسطين يسعون الى تهجير الشعب الفلسطيني، منذ بداية غزوهم لفلسطين، والتطبيع المتدحرج مع الأنظمة العربية والإسلامية قبل سنوات لم يكن إلا مقدمة لإلغاء الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية. يمثل الكيان الصهيوني، بكل مؤسساته وتشعباته في العالم، خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وخطرا حضاريا على شعوب الأمة وشعوب العالم، بسبب طبيعته العدوانية وعنصريته.

أسقطت معركة "طوفان الأقصى" وهم وجود سلطة فلسطينية فاعلة ومدافعة عن الشعب الفلسطيني، التي لم تستجب الى اليوم لنداءاته بضرورة مساندة المقاومة والمشاركة فيها، على الأقل في الضفة الغربية، بدلا من تفعيل ما يسمى بالتنسيق الأمني مع جيش العدو، الذي يغتال المقاومين بالمسيّرات، ويهدم البيوت على ساكنيها في مخيمات وبلدات الضفة الغربية. يجتاح جيش العدو الضفة الغربية يوميا ويعتقل المواطنين ويعذّب الأطفال ويدمّر البنى التحتية في المخيمات، تمهيدا لتهجير سكانها، ولم يخرج من السلطة إلا مناشدات للمجتمع الدولي وتصريحات مندّدة بالمقاومة والدعوة الى الاعتراف ب"الدولة الفلسطينية" الى جانب كيان العدو، تطبيقا لـ"حل الدولتين"، أو التعايش "السلمي" مع كيان العدو تحت المظلّة الأميركية، والاعتراف باستيلائه ظلما على 78% من أرض فلسطين وتهجير شعبها.

سقط وهم استبدال تحرير فلسطين بقضايا أخرى في الدول العربية، كالتنمية والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي بثّها الغرب لإبعاد شعوب الأمة عن القضية المركزية، قضية فلسطين والقدس والأقصى. لقد توهّمت النخب الحاكمة أو المشاركة في صنع القرار، انسجاما مع مصالح الغرب الاستعماري، أنه يمكن تنمية بلادها، بمعزل عن القضية الفلسطينية، أي التعايش مع وجود كيان استيطاني توسعى عنصري في قلب الأمة، والذي يهدّد فعليا كل مبادرة تنموية حقيقية تسعى الى التخلَص من التبعية للغرب الاستعماري. أثبتت معركة "طوفان الأقصى" أن شعوب الأمة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وكلما تراجع قمع السلطات الحاكمة وتدخل السفارات الغربية في بلدانها، كلما تصاعد تضامنها مع المقاومة.

سقط وهم دعم الأنظمة العربية والإسلامية لعملية تحرير فلسطين واتضح، منذ الأسابيع الأولى لحرب الإبادة التي شنّها كيان العدو، بأن معظم الدول العربية مناهضة للمقاومة الفلسطينية والعربية، وتعمل بالاتفاق مع الدول الغربية، الأوروبية والأميركية، لسحق المقاومة، وفكرة المقاومة ضد الوجود الغربي ومصالحه في منطقتنا. لم تتمكن هذه الأنظمة، بسبب تبعيتها للغرب الاستعماري، من إغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإدخال شربة ماء، دون التنسيق مع كيان العدو والولايات المتحدة الأميركية، رغم صدور عدة قرارات أممية تطالب بإدخال المساعدات، وذلك لأن الدول العربية المهيمنة على المشهد تؤيد عملية الضغط على المقاومة الفلسطينية، عبر تجويع أهل غزة ومنع الدواء عنهم وتدمير معالم قطاع غزة. 

لقد سقط وهم التحرير بالديبلوماسية وبالطرق السلمية، الذي تبنّتها السلطة الفلسطينية، والذي كان يعشعش في أذهان النخب الفلسطينية والعربية المرتبطة بالغرب الاستعماري، فكريا أو ماديا، والذي أسفر عن توسّع كيان العدو ومستوطناته وتوحّش مستوطنيه وتراجع الاستعداد الشعبي، في بعض المناطق، للالتفاف حول المقاومة المسلحة. بالرغم من أن التجارب العالمية أثبتت جدوى حركات التحرر الوطني والحروب الشعبية المناهضة للاستعمار، تخلّت النخب العربية والفلسطينية عن هذا الخيار والتحقت بالمصالح الغربية وبثّت الأوهام لتخدير الشعوب.

لقد أسقطت معركة "طوفان الأقصى" هذه الأوهام، وبات طريق التحرير وإزالة كيان العدو واضحا.