كانت الشمس حارقة ورائحة البارود كادت تخنق الفتاة شروق التي اضطرت للسير على طريق وعرة للنجاة بروحها، يرتعش جسدها من هول المشهد الذي يقف أمامها حيث وجدت جثة شاب مضرجة بالدماء، وضعت يدها على خدها وصرخت من الصدمة؛ "يمَّا الشب مستشهد".
والدتها تبعد عنها نحو (10 أمتار فقط)؛ لكن شروق المنايعة (22 عاما) لا تستطيع أن تلفت وجهها إلى الخلف، فالقاتل ما زال يصوب بندقيته تجاه الناجين من المجاعة القاتل شمال قطاع غزة.
ينادي الجندي القاتل عبر المايكرفون "ام البني -الفتاة التي تلبس البُني- تقف!"، هنا بدأ قلب والدة شروق يغلي، وتضرب كفيها على وجهها ليس خوفا من ضغط الجندي على الزناد، انما لعدم سماع ابنتها صوت المنادي.
فالفتاة شروق المنايعة تعاني من ضعف في السمع، وترتدى سماعة أذن؛ لكن بطارياتها لا تعمل، وهنا وضعت والدة شروق يدها على أذنها مشيرة للجندي الإسرائيلي بشكل دائري وتصرخ "البنت لا تسمع، لا تسمع".
كرر الجندي مناداته "ام البني تقف" وفجاة توقفت شروق لأنها سمعت صوت طنين مرتفع في اذنها، وبعد وقت طالبها بالسير، لم تكن شروق تفهم ما يتفوه به الجندي فأدارت وجهها الى الخلف، وبسرعة اشارت والدتها لها بأن تمشي وتكمل طريقها.
مشهد عبور شروق ووالدتها من حاجز الرشيد على شاطئ البحر الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه لن يمحى من ذاكرتها فقد رأت الموت أمام عينها.
ووجدت والدة شروق صعوبات كبيرة في توعية أبنائها الصم باندلاع الحرب وطريقة النزوح من بيت إلى آخر ومن مدرسة إلى مستشفى إلى مدرسة أخرى ثم لبيت ومنه إلى جنوب القطاع.
عندما اندلعت الحرب كانت شروق تغط في النوم قبل أن تدفعها والدتها للاستيقاظ والانتقال لمكان آمن اذ أن منزلهم قريب من السياج الفاصل شرق جباليا.
عائلة شروق مكونة من (5 أفراد)، استشهد منهم اثنين من اشقائها شمال قطاع غزة في قصف اسرائيلي استهدف منزلهم.
واضطرت عائلة شروق للنزوح من شمال القطاع رغم معايشتها للمجاعة، اذ تقول والدتها لمراسل "شمس نيوز": "أكلنا القمح والشعير وذرة الطيور في شمال غزة ولم نكن نرغب بالنزوح إلى الجنوب لولا خراب بطاريات سماعات الاذن".
عندما باتت سماعات شروق خالية من البطاريات كان صوت يشبه الطنين وموج البحر يضرب اذنها فكانت تصرخ من شدة الالام هي وشقيقها ماجد الأمر الذي دفعها وما تبقى من أفراد عائلتها للنزوح".
وفي الجنوب كانت المعاناة كبيرة جدا، فقد بحثت والدتها عن بطاريات فلم تجد وان وجدت تقول: "شروق بحاجة إلى عملية جراحية في الاذن لأن مشكلتها في السوسة كما قال لها بروفسور مصري، لذا وان ارتدت السماعات بالبطاريات الجديدة فلن تسمع جيدا وقد تفقد السمع بعد مرور الوقت".
وهنا لم يمكن أمام والدة شروق الا أن تصرخ وتطرق جدار خزان المؤسسات التي تعنى بالصم لمساعدتها في الحصول على تحويلة للخارج من وزار الصحة لانقاذ ابنتها وطفلها ماجد، لكن تلك المؤسسات أغلقت أبوابها في الحرب ومنها ما تم استهدافه وتدميره بالكامل.
ولم تنسَ والدة شروق الاشارة إلى بنات وابناء أشقائها لاجراء ذات العملية، اذ يعانون نفس مشكلة شروق، وقد ارجعت والدة شروق سبب المشكلة لزواج الاقارب.
وغادر مراسلنا خيمة شروق وما زال الطنين يؤلم أذنيها.