تحاول المسنة دولت الطناني إفلات ذراعيها من الأنياب الحادة للكلب البوليسي، بقوة حركت جسدها يمنة ويسرة وهي تصرخ من شدة الألم: "أنا بريئة أنا مسنة كبيرة أتركوني"؛ لكن جنود الاحتلال كانوا يضحكون وتغامزون، كأنهم يشاهدون مسلسلًا كرتوني، أحدهم يقول: "تستاهلوا؟"، استمر المشهد المؤلم دقائق عدة فكانت كفيلة بأن تسلم المسنة جسدها للكلب ليتحكم بكل حركاتها.
المسنة دولت عبد الله الطناني (68 عامًا) كانت وحيدة في البيت تواجه جنود الاحتلال المدججين بكل أنواع السلاح وبمحاذاتهم كلابهم البوليسية خلال الاجتياح الأخير لمخيم جباليا شمال قطاع غزة، تحكمت أنياب الكلب البوليسي بجسد المسنة دولت فسحبها خارج المنزل ليصدم رأسها بقوة في زاوية الباب.
تخرج الدماء من جميع أنحاء جسد المسنة دولت، إذ كشفت أنياب الكلب عن عظام ذراعيها، ولسانها يردد فقط: "أنا بريئة ارحموني أنا كبيرة بالسن"، لكن الجنود كانوا يتلذذون بآلامها ومعانتها ونهش جسدها قطعة قطعة.
بدأت حكاية المسنة دولت الطناني مع جنود الاحتلال عندما قررت رفض مغادرة منزلها في مخيم جباليا شمال القطاع مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للمخيم، يقول لها تامر ابن شقيقها: "يا حجة خلينا نطلع من البيت ونقعد في منطقة آمنة".
رفضت المسنة دولت طلب ابن شقيقها وهي تخبره: "قضيت عمري كله 68 سنة في المنزل حياتي كلها داخل هذه الجدران، ذكرياتي، جيراني، أحبابي، منزلي الذي بنيته من جبيني، لن أغادره حتى الموت"، بقيت دولت مصرًة على موقفها والجلوس وسط منزلها؛ لكن تامر وجميع أفراد عائلته وجيرانه غادروا المكان بالكامل.
بات المكان موحشًا بالنسبة للمسنة دولت؛ إلا أن إيمانها وإصرارها كان كبيرًا لإثبات حقها في بيتها وعدم الاستسلام رغم حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل"، تشير المسنة إلى أن أصوات القصف كانت عالية جدًا والاشتباكات ضارية بين جنود الاحتلال والمقاومين.
أيام عدة قضتها المسنة داخل المنزل تزامنًا مع الاجتياح الإسرائيلي للمخيم، لم تعرف دولت طعمًا للنوم والراحة، تعبر عن خوفها الشديد مع الأصوات المرعبة للانفجارات وكمية الرصاص التي لا حصر لها: "كنت أعيش على الماء وبعض من الطعام الذي تركته عائلتي".
"عندما أقترب من نوافذ المنزل أرى الموت أمام عيني دمار واسع وأعمدة الدخان تتصاعد بكثافة من كل جانب" تقولها المسنة وهي بحالة من الخوف، إذ كان صوتها يخفوا شيئًا فشيئًا.
تستعيد المسنة شريط ذاكرتها التي التصقت بها حادثة الكلب البوليسي المؤلمة؛ إذ أنها أغمضت جفنيها (ليلة الخميس 23 مايو 2024) محاولة التغلب على صوت أزيز الطائرات، وصفير الرصاص، وجنازير الدبابات، التي تحيط بمخيم جباليا شمال قطاع غزة؛ لأخذ قسطًا من الراحة؛ لكن محاولتها باءت بالفشل تحديدا عندما وصلت عقارب الساعة تقريبًا إلى الرابعة فجرًا؛ فانقلبت حياتها رأسًا على عقب.
فجأة وأثناء نوم المسنة دولت وقع انفجار ضخم، كان جيش الاحتلال قد فجر الجدار؛ ليتمكن من الدخول للمنزل بعيدًا عن عيون رجال المقاومة، قفزت المسنة من نومها لتجد أمامها كلب بوليسي ينهش جسدها.
صرخت المسنة دولت مستنجدة بجنود الاحتلال: "أنا مسنة أبعدوا الكلب عن جسدي" لكن الرد كان واحدًا قهقهة وسخرية من جنود الاحتلال، دقائق معدودة وسيطر الكلب على جسد المسنة إذ جرها خارج المنزل وسط إصابتها بجروح عميقة جدًا.
أصيبت المسنة بكسور في ذراعيها وجروح في رقبتها ورأسها، ووصف لها الأطباء حالتها بالحرجة جدًا نتيجة التسمم الذي تغلغل في جسدها إضافة إلى عدم وجود أي نوع من أنواع العلاجات في مستشفيات شمال قطاع غزة.
توقفت المسنة قليلًا عن الحديث ثم قالت: "في صباح يوم الخميس كان هناك حالة من الهدوء في المخيم وهنا اضطررت للزحف من شارع إلى آخر، والركض فوق الركام لمسافة طويلة حتى وجدت أشخاص من بعيد فشعرت بالأمان".
الأشخاص الذين استأنست فيهم المسنة دولت كانوا يبحثون عن الطعام والشراب وعن أغراض لهم تحت ركام منازلهم المدمرة: "يا شباب الحقوني أنا مصابة"، فورًا ركض الشبان ونقلوها لمستشفى اليمن السعيد ثم إلى كمال عدوان ومنه إلى مستشفى العودة".
تعاني المسنة من حالة نفسية صعبة؛ لعدم تمكنها من تلقي العلاج اللازم، وأكثر ما يؤلم قلبها هو تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمنزلها بالكامل في مخيم جباليا تقول: "دمروا حياتي كلها؛ لكن لن أستسلم راح أبني خيمة فوق الركام مهما كلفني ذلك من ثمن ولن أغادرها مرة أخرى".