غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

سنحفظ العهد ونواصل العطاء

"حلقات القرآن" رسائل إيمانية من زوجات الشهداء وبناتهم.. عندما يتعانق الصمود مع الخشوع!

تصميم تراتيل النور في قلب المخيم.jpg
شمس نيوز – وليد المصري

بصوتٍ نديٍّ، وقراءةٍ متدبرةٍ، وخشوعٍ واضحٍ، استشعاراً للنفحات التي تظللهن والسكينة التي تتنزل عليهن، تصدح زوجات الشهداء وبناتهن بآياتِ القرآن الكريم، داخل حلقات التحفيظ المُقامة في إحدى مخيمات الإيواء في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.. على ضوء القمر وتحت قبة السماء في ركنٍ من أركان المخيم في أرض الرباط يَجلسنَ في حلقاتٍ دائريةٍ وكأنهُنَّ كأسنان المشط بتناسقٍ بديعٍ، يَقْرَأْنَ كتاب الله وَيَتَدَارَسْنَهُ فيما بينهنَّ وَيَتَدَبَّرْنَ آياتِهِ؛ طلباً للأجر العظيم والنعيم المقيم، ويتأسَّسْنَ لأداءِ مهمةٍ روحيةٍ يستلهمنها من ذكريات أزواجهم وآبائهم الذين ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.

النفوس هنا في طمأنينتها تفوق أيَّ طمأنينة، فزوجات الشهداء وبناتهم من مختلف الأعمار اللاتي جَمَعَتْهُنَّ حلقات التحفيظ يَجِدْنَ في القرآن الكريم نوراً لحياتهنَّ، وجلاءً لأحزانهنَّ، وسلوىً لقلوبهنَّ، للصبرِ على آلام الفقد والفراق في عام الحزن الذي يمر به قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم.  

تضم موائد التحفيظ في المخيم، 3 حلقاتٍ قرآنية تُصنَّفُ حسب الفئة العمرية، فالحلقة الأولى تضم طالبات الصف الأول إلى السابع، بينما الحلقة الثانية تضم طالبات الصف الثامن إلى الثاني عشر، فيما خُصِّصت الثالثة للفئات الأكبر عمراً، ويتوزع عليها نحو 200 طالبة وكلهن من زوجات الشهداء وبناتهم، وتنتظم يومياً من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء.  

وسط إحدى الحلقات، تعكف المحفظة "أم حمزة"، وهي زوجة شهيد، على تلاوةِ آياتٍ من كتاب الله، وما أن تتوقف حتى تبتهل الطالبات بالترديد خلفها، ثم تشرع بشرح ما تيسير من هذه الآيات لفهمها وتدبر معانيها، تقول: "نحن مع القران الكريم في رحلة روحية ممتعة تطمئن لها النفس بالسكينة والرحمة وتسمو فيها ذات المسلم في رحاب الله تعالى ونوره العظيم".

تَلحظُ "أم حمزة" إقبالاً ملفتاً وانضباطاً واضحاً من زوجات الشهداء وبناتهم على الحلقات القرآنية وتعلم القرآن الكريم وأحكامه، ولكلِّ ملتحقةٍ بهذه الحلقات قصة مأساوية تختلف عن الأخرى، فمنهنَّ مَن فقدت زوجها، ومنهنَّ من فقدنَ عائلتهنَّ بأكملها، وأخريات فقدن والديهما كليهما أو أحدهما، ولكنهنَّ -وفق المحفظة أم حمزة- يشترِكْنَ في الهدف ذاته وهو حفظ القرآن الكريم؛ ليصل ثوابه إلى والديهم ويلبسانهم تاج الوقار يوم القيامة.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

وتتنافس الطالبات فيما بينهنَّ على كتاب الله تلاوةً وحفظاً، وتتباين نسبة الحفظ من طالبة لأخرى حسب اجتهادها، فمنهنَّ مَن حَفِظْنَ 15 جزءاً، ومنهنَّ من حَفِظْنَ أقل من ذلك، فالطالبة "رؤى" التي استقرت في مخيم "الأيتام" بعد عذابٍ وعناءٍ كبيرٍ سببته رحلاتِ النزوح المتكررة من غزة إلى رفح وصولاً إلى مواصي خانيونس، والتي تمكنت في 3 أشهر من حفظ 8 أجزاء من القرآن الكريم، تُعبِّر عن شعورها بـ"السعادة والانضباط وسمو الروح"، مؤكدةً أن "كتاب الله ربيعُ القلوب ونورٌ لها".

ولا تقتصر هذه الحلقات على تلقين القرآن الكريم وتحفيظه فحسب، بل إنَّ القراءة بأحكام التجويد، والرغبة في تعلم معاني آياته وأحكامه، ومعرفة مخارج الحروف وتعلم القاعدة النورانية تُراعى ولا تحد الطموح.

أجواء المخيم الذي يحتضن هذه الحلقات ليس فقط مكاناً للقراءة والتلاوة، إذ تسعى القائمات على هذه الحلقات، كما توضح المحفظة "أم حمزة" إلى "إنشاء جيلٍ قرآنيٍّ فريدٍ متمسكٍ بدينه وعقيدته، ويتربى على الأخلاق الإسلامية والقيم الفضلى"، كما تُعدُّ (أجواء المخيم) أيضاً مساحة للتماسك الاجتماعي والدعم بين زوجات الشهداء وبناتهم بكلمات الإيمان والصبر، وَيَسْتَمِدْنَ من أنفسِهِنَّ القوةَ والإرادة على تربية أبنائهنَّ على الطريق ذاته الذي خطَّه آباؤهم.

بين جنبات هذا المخيم، تبرز أكثر من 400 موهبة لطلاب وطالبات في مناحٍ ومجالاتٍ متنوعة كالرسم والفنون الجميلة والنشيد وغيرها، فالطفلة "صفاء سليم"، وهي أيضاً ابنة شهيد، تُبدع في النشيد الهادف والمديح النبوي، بصوتٍ جميلٍ تنبعث منه براءة الطفولة وعنفوان الصمود.

اخترنا لكم:: "آمنة الدحدوح" تُطلق مبادرة "صُنَّاع الأمل"..  كالعنقاء تنهض زمن الإبادة