بعد مضي يومين على ارتكاب العدو مجزرة مسجد التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة، لم يستطع جيش الاحتلال تقديم المبرّر الذي يكفّ عنه الإدانات الدولية المتتابعة، هذه المرة، ليس بوسع هذا الجيش أن يزعم أن محمد الضيف ومساعديه مختبئون وسط العائلات النازحة.
وأمام الحرج والصدى الإعلامي اللذين أحدثتهما المجزرة، التي ارتُكبت بحق مصلّين مدنيين عند صلاة الفجر، أصدر جيش العدو، مساء أول من أمس، بياناً مرفقاً بصور لـ 19 شهيداً، زعم أنهم ناشطون وكوادر قيادية في حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ليبرّر من خلالهم استهداف أكثر من 180 مصلياً، قضى أكثر من 100 منهم شهداء، بينما قطعت الصواريخ أطراف المصابين منهم.
وتكشف قائمة الأسماء التي نشرها الجيش، وهي نسخة مطابقة لقائمة الأسماء المتداولة التي نشرها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صبيحة يوم المجزرة، أن أكثر هؤلاء لا ينتمون إلى أي من الأحزاب الوطنية حتى مجرد انتماء، والبعض الآخر منهم هم كوادر خدماتية وأكاديمية ألصق العدو بهم، بعد إفلاسه، تهماً لا تبرّر اغتيالهم أصلاً.
حيث ادّعى أن الدكتور يوسف الكحلوت، وهو كادر أكاديمي متخصّص في اللغة العربية يعمل في «الجامعة الإسلامية»، عضو مجلس شورى في «حماس»، كما اعتبر منصب مدير الأوقاف الدينية في غزة، محمد أبو سعدة، مبرّراً كافياً للاغتيال، أيضاً، تضمّن بيان جيش الاحتلال صورة لعضو المجلس البلدي في بيت حانون عن حركة «فتح»، عبد العزيز الكفارنة، وادّعى بأن الأخير عضو «لجنة الطوارئ الحكومية»، على اعتبار أن ذلك الادّعاء الكاذب يقدّم مبرراً لقصف مركز إيواء في ساعة الفجر لقتل المستهدَف.
غير أن الفضيحة الكبرى في قائمة جيش العدو، كشفها «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» الذي ذكر على لسان رئيسه، رامي عبده، أن «القائمة التي نشرها الاحتلال تتضمّن أكاذيب ومغالطات»، مضيفاً أن «الشهيد منتصر ظاهر الذي نُشرت صورته في بيان جيش الاحتلال، استشهد الجمعة مع شقيقته بعيداً عن مدرسة التابعين، كما أن الشهيد يوسف الوادية استشهد قبل المجزرة بيومين في مكان مختلف، أما الشهيد أحمد إيهاب الجعبري فقد استشهد في كانون الأول من العام الماضي، والشهيد شادي الزعيم الذي ادّعى الاحتلال بأنه أحد كوادر «كتائب القسام» يعمل في محطة بترول، وليس له أي عمل تنظيمي. كذلك، الشهيد إيهاب بكر الجعبري هو موظف حكومي وليس منتمياً أساساً إلى أي تنظيم».
إلى جانب كل تلك الحقائق التي تفنّد رواية الاحتلال، يتبدّى الجانب الأخطر في بيان جيش العدو، إذ يعتبر كون الشخص ناشطاً في أي من الأحزاب، مبرراً للاغتيال والاستهداف، علماً أن المجتمع الفلسطيني بأكثره مؤطر حزبياً، إذ يعمل عشرات آلاف المواطنين في الأطر التنظيمية للفصائل الفلسطينية، وفي المؤسسات ذات الصلة بالأحزاب.
ويقول مصدر في أحد الفصائل الفلسطينية، لـ«الأخبار»، إن «محاولة اتهام أي منتم إلى فصائل المقاومة بأنه كادر وناشط، هو لعب في الوعي الجمعي، حيث يصنّف العدو، من وجهة نظره الإجرامية، انتماء الشخص الحزبي مبرراً للقتل، حتى لو تسبب اغتياله بارتكاب مجزرة. هذا خرق لكل المواثيق الدولية والقيم الإنسانية التي لا يقيم لها جيش العدو أي وزن».
جدير بالذكر أن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، نفتا في بيانات منفصلة مزاعم العدو، وأكدتا أنه نشر أكاذيب لا تمت إلى الواقع بصلة.
وقالت «حماس»، في بيان إن «مقاوميها وقادتها لا يقتربون من مراكز الإيواء والتجمعات المدنية، وإن العدو يبحث عن مبرّرات للاستمرار في جرائم الإبادة الجماعية التي يواصل ارتكابها منذ 10 أشهر»، فيما نفت «الجهاد الإسلامي» أن يكون أيّ من مقاوميها وقادتها قضى في الهجوم على مسجد التابعين.