بدأ الاحتلال الإسرائيليّ بنقل عدوانه الوحشيّ والبربريّ من قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة المُحتلّة، في ظلّ صمتٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ مُثيرٍ للغاية، الأمر الذي دفع المُحلِّل روغل ألفر في صحيفة (هآرتس) العبريّة إلى القول الفصل اليوم الخميس في مقاله إنّ إسرائيل بدأت عمليًا بتنفيذ النكبة الجديدة ضدّ الشعب الفلسطينيّ، على حدّ قوله.
فبعد 22 عامًا على عملية “السور الواقي”، حين اجتاح جيش الاحتلال مدن الضفة الغربية ومخيماتها، وأعاد احتلالها، مرتكبًا جرائم ومجازر مروّعة، كان أبرزها في مخيم جنين، ها هو يعود مرّة أخرى إلى شنّ عملية في شمال الضفة، هي الأوسع منذ ذلك الحين.
وبدأ الاحتلال، فجر أمس، عمليته العسكرية الواسعة وغير المحدّدة بسقفٍ زمنيٍّ، والهادفة، على ما يبدو، إلى تصفية خلايا المقاومة في شمالي الضفة، وتحديدًا في مدن جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها، والتي اجتاحها من محاور عدّة.
وبحسب الإعلام العبريّ، دفع جيش الاحتلال إلى تلك المدن والمخيمات بالآلاف من جنود وحداته، إلى جانب مجموعات من “الشاباك” ووحدات من المظليين، والطائرات المروحية والمسيّرة، في عملية أطلق عليها اسم “مخيمات الصيف”، واستشهد، في يومها الأول، 10 مقاومين، خمسة منهم في جنين وأربعة في طوباس، جرّاء استهدافهم بالطائرات المسيّرة.
ومن جهتها، أَطلقت “سرايا القدس” على المعركة التي تخوضها المقاومة اسم “رعب المخيمات”، مؤكدةً أنّ مقاتليها “سيذيقون العدو رعب المخيمات وسيعلم جنوده ما ينتظرهم من جحيم”.
وفي حين ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية الجارية في الضفة، هي الأوسع منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002، وتشارك فيها أيضًا قوات “المستعربين”، لفت مسؤولون عسكريون إلى أنّ الهجوم أُطلق بعدما بات “الوضع في الضفة الغربية يشكّل مصدر قلق جدّي لإسرائيل”، على حدّ تعبيرهم.
وفي هذا السياق أيضًا، أشارت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة إلى أنّه من المحتمل أنْ “يتم تنفيذ إخلاء منظّم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقًا لمراكز القتال المتوقعة”، فيما قالت القناة الـ 14 بالتلفزيون العبريّ إنّ جيش الاحتلال سيُبقي على حصاره للمستشفيات، وسيقوم “بتفتيش المرضى الفلسطينيين الذين سيدخلون إليها في طولكرم وجنين”.
ووفقًا لـ “يديعوت أحرونوت”، فإنّ “العملية العسكرية في الضفة الغربية ستستمر لأيام عدة، وستتركّز في المنطقة التي انطلق منها الهجوم على تل أبيب، وسيكون هدفها اعتقال المطلوبين وتدمير البنية التحتية في مخيمَي جنين ونور الشمس للاجئين قرب طولكرم وفي مدينة طوباس القريبة”، على ما نقلته عن المصادر العسكريّة والأمنيّة في تل أبيب.
وفيما شهدت عدة بلدات اقتحامات واسعة، منها بيت ريما وعارورة وقراوة بني زيد في رام الله، اقتحمت قوات الاحتلال أيضًا كفر دان (جنين) عصرًا، حيث دارت اشتباكات مسلحة، استشهد على إثرها أسير محرّر.
وتزامن الهجوم مع موجة تحريض تكفّل بها وزراء الاحتلال، وأبرزهم وزير الخارجية، يسرائيل كاتس (حزب ليكود الحاكم)، الذي توعّد أمس بتنفيذ عمليات “إجلاء مؤقت” للفلسطينيين من مدينتَيْ جنين وطولكرم، كما حصل في قطاع غزة.
وكتب كاتس، عبر منصة (إكس): “جيش الاحتلال الإسرائيليّ يعمل بقوّةٍ اعتبارًا من الليلة الماضية في جنين وطولكرم لإحباط وتدمير بنى تحتية معادية تعمل بإيحاء من إيران”، مضيفًا: “علينا أنْ نعالج هذا التهديد كما قمنا بمعالجته في غزة، بما في ذلك إجلاء مؤقت لسكان تلك المناطق وكل إجراء ضروري آخر. هذه حرب بكل معنى الكلمة ويجب الانتصار فيها”.
وبعد مرور عدّة ساعاتٍ على هذه التصريحات الخطيرة، انضمّ وزير الزراعة، آفي ديختر، للتهديدات، وقال إنّ إسرائيل ستقوم بنقل الفلسطينيين إلى ما أسماها بالمناطق الآمنة، مع الإشارة إلى أنّ ديختر شغل سابقًا قائد جهاز الأمن العام (شاباك).
من ناحيته، دعا رئيس المجلس الاستيطاني شمالي الضفة، يسرائيل غانتس، إلى تطبيق نموذج غزة في الضفة، قائلاً: “إذا لم نفعل في نور شمس ما فعلناه في النصيرات، فسيفعلون في مستوطنة بات حيفر ما فعلوه في كيبوتس بئيري بالجنوب”، طبقًا لأقواله.
أمّا مُحلِّل الشؤون العسكريّة في (هآرتس)، عاموس هارئيل، فقال إنّ الارتفاع الحاد في العمليات “الإرهابيّة” الفلسطينيّة بالضفّة الغربيّة، بالإضافة إلى اعتداءات المُستوطنين اليهود المتكررة على المدنيين الفلسطينيين، والاستفزازات التي يقوم بها وزير الأمن القوميّ الإسرائيليّ، العنصريّ إيتمار بن غفير في المسجد الأقصى المُبارك، تزيد الطين بلّةً، وتُساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في إشعال منطقة الشرق الأوسط، على حدّ تعبيره.