يعلو صوت بكاء الطفل "محمد"، الذي لم يتجاوز من العمر (7 أشهر ونصف)، بينما تجلسه والدته "مها"، على الأرض داخل خيمةٍ صغيرة في إحدى مراكز الإيواء بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وقد أحاط بها طفلاها الآخران، وبعد أن غسلت صغيرَها بالماء، وضعت له قطعة قماش بسيطة، كبديل جبري عن "الحفاظات" التي باتت أسعارها الباهظة تشعل غضباً في قلوب الأمهات، بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، وإغلاق المعابر، في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي للعام الثاني على التوالي.
بينما يحتضن المخيم الصغير في دير البلح آلاماً لا تهدأ وسط أجواء الخوف والحرب والحصار، تشكو "مها الشريف" من الارتفاع الباهظ في أسعار "حفاظات الأطفال"، تقول لمراسل "شمس نيوز" وعينيها تحملان تعباً طويلاً من المعاناة: "الحفاظات لم تعد متوفرة بشكل كافٍ في الأسواق، وإن وُجِدَت فإنني لا أستطيع شراء كميات كافية منها بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها".
وتضيف: "نعاني كثيراً حتى نجد منها قطعة أو اثنتين، في ظل الوضع الصعب الذي نعيشه بسبب الحرب، لاسيما أنني نزحتُ من شمال قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023م، ولا أملك أي مصدر للدخل".
أزمة انقطاع "الحفاظات" التي اشتدت مع سيطرة الاحتلال على معبر رفح ومنعه إدخال المساعدات والمواد الأساسية إلى قطاع غزة، باتت هاجساً يُؤرق الأسر النازحة زمن الإبادة، وهو ما جعلها سلعة نادرة، وأصبح الحصول على باكو واحد صعب المنال.
وزمن الحرب، ارتفع سعر باكو "حفاظات" المواليد رقم (1) إلى 100 دولار أمريكي، مقارنة بـ 6 دولارات قبل الحرب، وبلغ سعر باكو رقم (2) حوالي 80 دولاراً أمريكياً، مقابل 5 دولارات قبل العدوان، أما باكو رقم (4) فوصل إلى 55 دولار، مقارنة بـ 4 دولارات في السابق، وهو ما يُثقل كاهل أهالي القطاع ويفاقم من أوضاعهم الإنسانية المتردية أصلاً.
ومع تزايد شح "حفاظات" الأطفال، لم تجد "مها" سبيلاً سوى اللجوء إلى استخدام "قطع القماش" كحل جبري مؤقت، ولكن حتى هذا الحل القسري لم يكن عملياً، في ظل شُح المياه اللازمة لغسلها يومياً من أجل إعادة استخدامها.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
النازح "محمود أبو دان" يُعاني من المشكلة ذاتها مع أطفاله، يقول لمراسل "شمس نيوز": "لدي طفلان يحتاجان إلى حفاظات يومياً، لكن سعر الحفاظة الواحد وصل إلى 5 شواكل (1.33$)، وهو ما يعني أنني أحتاج إلى 30 شيكل (8 دولار يومياً) فقط للحفاظات، وهو مبلغ يتجاوز قدرتي".
هذه الأمر أجبر "أبو دان" كما سابقته، على اللجوء إلى قطع القماش، لكنه لم تكن أيضاً حلاً صحياً، يقول: "لقد جربتُ بديل الحفاظات لعدم مقدرتي على توفير مبلغ (8 دولار يومياً) يومياً، لكن للأسف أصيب أطفالي بالتهابات وأمراض جلدية، كما انتشرت هذه الأمراض بين أطفال الجيران أيضاً في المخيم، وبالتالي هي بدائل غير صحية".
أزمة "الحفاظات" هي واحدة من آلاف الأزمات التي تواجه العائلات النازحة في قطاع غزة، وتلقي بظلالها الثقيلة عليهم في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية، وإغلاق المعابر والحصار على غزة، وهو ما يحرم سكان القطاع والأطفال من أبسط حقوقهم، في انتهاكٍ "إسرائيليٍّ" صارخٍ للقوانين والمواثيق الدولية وَتَعَدٍّ سافرٍ على حقوق الإنسان.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إن الأطفال في قطاع غزة هم الفئة الأكثر تضرراً مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.
وأوضح الناطق باسم "اليونيسيف" كاظم أبو خلف، أن الوضع الحالي في قطاع غزة يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون الأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها، مشيراً إلى أن عدد الأطفال الذين استشهدوا هو 14 ألفاً على الأقل، وهذه أقل التقديرات، بالإضافة إلى آلاف المصابين.
وقال أبو خلف إن جميع الأطفال في قطاع غزة يحتاجون إلى دعم نفسي، وبعضهم تعرضوا لبتر أطرافهم وهم في حاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، مؤكداً أن هناك العديد من الأطفال يعانون من الخوف والقلق بسبب الحرب.
وأضاف أن "اليونيسف" وشركاءها في العمل الإنساني يحاولون تقديم ما يمكن من خدمات في ظل الظروف الحالية، كما يقدمون المساعدات الغذائية والوقود للمستشفيات، مشيراً إلى أنه يتم التنسيق مع منظمة الصحة العالمية لإخراج 170 شخصاً يحتاجون إلى العلاج في الخارج.
اخترنا لكم: بالصور محرقة خيام الأقصى... أهوال مرعبة يرويها الناجون: "رأينا الموت بأعيننا!"