في يوم الأرض، يوم انتهك العرض، واغتصبت الأرض المباركة، ظنًّا من بني صهيون أن يتحقق الغرض من احتلال فلسطين والتمتع بخيراتها، لكن لم يعلموا أن الفلسطيني كطائر الـــعنقاء، كلما ظنوا أنه مات خرج لهم من تحت التراب.
في مثل هذا اليوم المشؤوم الذي يصح به قول المثل "ينذكر وما ينعاد"، لن أستذكر ما حصل به من سلب لأراضي أجدادنا، بل سأتطرق لفضح كيان الاحتلال، وكشف أبرز نقاط ضعفه التي لطالما أفشلت مخططاته، وأثبتت أن أرض فلسطين هي فلسطينية أبًا عن جدّ، ساخرة من كل جهوده التي بذلها لاحتلال الأرض.
معركة "سيف القدس" التي أقضّت مضاجع الكيان، ووقع صواريخها دفعه للمناشدة والاستنجاد بأميركا وحلفائه، وطرق أبواب الوسطاء للتدخل من أجل وقف إطلاق النار، وإنهاء المعركة. ولكن هنا يكمن السؤال الأهم: هل قادة العدو سعوا لإيقاف إطلاق النار فقط خوفًا من صواريخ المقاومة؟! أم خوفًا من هجرة جماعية للصهاينة؟! ولماذا أغلق كيان العدو مطاره، ولم يسمح بمغادرة أحد من المستوطنين إلى خارج فلسطين المحتلة؟!
عند حصول أي حدث أمني كبير في بلد ما، تقوم السلطات بإلغاء رحلاتها، حرصًا على سلامة الملاحة الجوية، وخوفًا من تضرر المسافرين، ولكن في الوقت نفسه يبقى المطار مفتوحًا أمام من يريد الهرب من الحرب، أو المشاكل الأمنية الحاصلة، ولا يُغلق إلا في حال تعرض المطار للضرب والاستهداف. أما الاحتلال، فقد أغلق مطاره أمام المستوطنين، وبهذا الإجراء فقد أجبرهم على البقاء داخل الكيان، مبررًا ذلك بذريعة الخشية من إصابة طائراته المدنية بصواريخ المقاومة.
ولكن هذا المبرر لم يكن السبب الرئيس وراء إغلاق الكيان مطاره خلال معركة "سيف القدس"، بل لتخوفه الكبير من هجرة المستوطنين الذين بذل قادة المشروع الصهيوني جهدًا كبيرًا لجلبهم وتثبيت وجودهم على أرض فلسطين، لتكتمل شروط قيام الدولة المزعومة، وهي وجود أرض وشعب وحكم. الأرض احتلت واغتصبت، الحكم موجود وهو كحكم "قراقوش"، أما "الشعب" فقد أحضروه من مختلف دول العالم، وقدّموا للمهاجرين القادمين مغريات كثيرة لضمان بقائهم على أرض فلسطين. ومن المؤكد أنهم لن يسمحوا لهم بالهجرة المعاكسة، لأن تخليهم عن "إسرائيل" يعني سقوط شرط إقامة "الدولة" (التي تأسست على هذا المنطق)، وسقوط كيان الاحتلال، وتفككه وانهياره. وهذا يعتبر ركيزة مهمة في مسيرة المقاومة، لاستعادة الأرض المحتلة.
لقد لاحظنا كثيراً في السنوات الأخيرة أن الاحتلال فقد السيطرة على المستوطنين الذين أتى بهم إلى فلسطين المحتلة، بعد إغراءات كثيرة وأحلام وردية، على اعتبار أن فلسطين ستكون بالنسبة إليهم "أرض اللبن والعسل"، وأنهم سيعيشون بأمن وسلام، ورخاء ونعيم، ويصبحون أسياد العالم، بعد أن كانوا مشتتين فيه...
بهذا الكذب والخداع أغروا الكثيرين من يهود العالم للقدوم إلى كيانهم المصطنع والمؤقت الذي صمد لهذه العقود الطويلة من الزمن بسبب الدعم الغربي المطلق، وتواطؤ بعض النظام العربي الرسمي. ولكنهم لم يتوقعوا يومًا أن مشروعهم الذي قام على الإجرام وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين لاقتلاعهم من أرضهم، سينهار فوق رؤوسهم، ولم يحسبوا حسابًا لما سيرونه في فلسطين من مقاومة لاحتلالهم بكافة الطرق والوسائل المتاحة.
فالفلسطيني قد أخذ عهدًا على نفسه أن لا يجعل المحتل مرتاحًا على أرضنا وأرض آبائنا وأجدادنا، وأن يربك حساباته في كل الأوقات. وقد تجلى ذلك في معركة "سيف القدس" التي رسخت مشاعر القلق والخوف لدى الصهاينة، وأثبت لهم أن لا أمان ولا استقرار للمحتل على أرض فلسطين العربية، فالفلسطيني لن يمل ولن يكل في الدفاع عن أرضه، وهو على استعداد للتضحية بنفسه فداء للوطن، وليس على غرار المستوطن الصهيوني الذي سارع باكيًا وهاربًا إلى الهجرة لبلده الأصلي الذي قدم منه، ما استدعى من سلطات الاحتلال أن تغلق مطارها خشية من هجرة جماعية، قد تؤدي إلى مغادرة فلسطين من غير رجعة.