غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

رطل طحين مقابل الكابونة.. حين تصبح المقايضة لغة البقاء للنازحين في غزة!

طحين مبادلة مع كابونة
شمس نيوز - خاص

أدار ياسر حرب عينيه تجاه الرفوف التي صنعها من الخشب داخل خيمته الصغيرة في مواصي دير البلح، باحثًا عن كسرة خبز قبل أن يستفيق أطفاله الذين يتضورون جوعًا؛ دقائق معدودة حتى أيقن أن محاولته باءت بالفشل، وعلى مهلٍ أزاح أقدامه إلى أن وصل إلى كرسي خارج الخيمة رافعًا أكفه إلى الله تعالى: "افرجها من عندك يا رب، والله ما عندي كسرة خبز ليأكلها الصغار"، وفجأة سمع صوت زوجته وهي تهمس في أذنه: "بدي أبدل الكابونة برطل طحين ما رأيك؟".

أجاب ياسر زوجته على الفور: "فكرة جميلة؛ لكن سنفقد بعض المعلبات والبقوليات التي نرزق بها من المؤسسات أو الجمعيات الخيرية"، أنهى حديثه على عجل، ليعود الزوجين إلى التأمل في السماء التي لم تخلو من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، دقائق قليلة حتى أعلن ياسر قراره النهائي بالموافقة على مضد من الفكرة التي طرحتها زوجته.

ولجأ ياسر حرب والآلاف من النازحين جنوب قطاع غزة إلى قانون "المبادلة أو المقايضة" تزامنًا مع شح توفر أكياس الطحين في الأسواق أو توزيعه عبر المؤسسات الدولية والخيرية، بسبب فرض الاحتلال حصارًا مشددًا منذ نحو ثلاثة أشهر في المناطق الجنوبية للقطاع لا سيما في وقت تكثر فيه عمليات السرقة والاستيلاء على بعض شاحنات المؤسسات الدولية.

ياسر حرب (40 عامًا) يُعيل (6 أفراد) لم يتذوق هو وأطفاله الصغار طعم الخبز منذ نحو أسبوعين ففي ساعات المساء أصيب بدهشة عندما تلقى رسالة من إحدى المؤسسات الإغاثية بدعوته لاستلام مساعدة غذائية، تراقصت عينيه وغنى قلبه ولسانه يردد: "يا رب كيس طحين مش كابونة"، مضت ساعات الليل بطيئة على ياسر كأنها أسبوع كامل.

استيقظت عائلة ياسر على صوت انفجارات إسرائيلية استهدفت خيام النازحين قرب منطقة مواصي الدير؛ لكنه لم يأبه لذلك واتجه مباشرة إلى مركز توزيع المساعدة الغذائية التي تلقى منها الرسالة؛ وهناك تفاجأ بأن الاستلام هو كرتونة مليئة ببعض المعلبات والبقوليات، وبهدوء تام صعد عربة -يجرها حيوان- إلى خيمته في تلك اللحظة تبددت فرحة زوجته التي كانت تنتظر أن تسد جوعها وجوع أطفالها ببعض الخبز.

أدخل ياسر "كرتونة الكابونة" إلى خيمته وهو يتأفف، فيما تتساقط قطرات العرق من جبينه، وبعد لحظات قليلة من الصدمة عاد وجه زوجته يمتلأ بالفرحة والسرور وهي تخفف عنه وتقول: "وجدتها يا ياسر"، في تلك اللحظة ارتشف ياسر شربة ماء وهو يقول: "ماذا وجدتي؟"، لتجيبه فورًا: "خلص بدي أبدل جزء من الكابونة برطل طحين، المعلبات كثيرة، ما رأيك".

رد ياسر فورًا: "جهزي المعلبات التي لا نريد تبديلها"، مرت الدقائق سريعة واتجه ياسر وبيده كيسًا يحتوي على بعض المعلبات والبقوليات إلى السوق مستفسرًا عن الأسعار وعمليات التبديل حتى وصل للشخص المناسب، حيث "استبدل 5 علب فول و3 علب لحمة وباكيت شاي، برطل طحين أبيض جديد"، وفي عملية حسابية بسيطة بلغ سعر ما استبدله 90 شيكل نحو (25 دولارًا أمريكيًا).

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

عادل ياسر والفرحة تملأ وجهه يقول لأطفاله: "أخيرًا سنأكل خبزًا هذا اليوم"، وهمس في أذن زوجته: "حاولي تتقشفي بشكل كبير، لا يوجد معنى غير هذا الرطل، فقط مرة واحدة خبز ومرة رز اقتصري اكتير"، استجابت زوجته فورًا بالموافقة وقالت: "الحمد لله، ربنا برزق".

لا يختلف موقف النازح أبو سليم عبدالعال كثيرًا عن ياسر حرب، حيث قرر هو الأخر تبديل المساعدة الاغاثية التي وصلت إليه برطل طحين، إلا أنه أشار لمراسلنا: "أن سعر الرطل في المنطقة التي يعيش فيها الزوايدة يصل إلى 110 شيكل وهو يختلف عن السعر السابق الذي حصل عليه ياسر حرب"، وهنا قرر عبدالعال أن يستبدل كرتونة الكابونة بالكامل.

وما أن حصل عبد العال على مساعدة إغاثية حتى وجد شخص على بعد امتار قليلة من مركز التوزيع يبيع طحين بالكيلو فقال له: "خذ كابونتي مقابل رطل طحين"، فورًا استجاب الرجل واستبدل الطحين بالكرتونة وهو يبتسم، حصل عبد العال على ما أراد يقول لمراسلنا: "الحمد لله أولادي سيأكلون الخبز بعد أسبوع من عدم تناوله".

وعلى جانب آخر عاد مراسلنا إلى الشخص الذي وافق على تبديل الطحين بالكرتونة، فقد قال: "عندي نحو 3 أكياس طحين؛ لكن لا يوجد عندي أي نوع من أنواع المعلبات، أعمل على استبدال الطحين بالمعلبات والبقوليات لإطعام أطفالي".

ويرفض الشاب تلقي الأموال مطلقًا أثناء مبادلة الطحين قائلًا: "المقايضة تتم عبر تبديل سلعة بسلعة، نعيش في أوضاع صعبة جدًا، هناك شح في توفير الطحين لمنع الاحتلال إدخاله من المعابر وسرقة بعض الشاحنات، إضافة إلى شح في توفير الاحتياجات والسلع الغذائية في ظل ارتفاع الأسعار الجنونية في الأسواق".