غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

شهيدٌ على أعتاب الأُبُوَّة

"أيمن الجدي".. وداعٌ مؤثرٌ وحلمه باحتضان "ولي العهد" لم يكتمل!

الشهيد أيمن الجدي.jfif
شمس نيوز - وليد المصري

بين الفينةِ والأخرى، يُراقبُ "أيمن الجدي"، عقاربَ الساعة على هاتفه الشخصي، والتي بدت كأنها تسير بتباطؤٍ شديدٍ، ويَعدُّ الدقائق والثواني، كأنَّ الزمن يتثاقل أمام لهفة انتظاره، في إحدى زوايا مستشفى العودة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة؛ ليُكَحِّل عينيه برؤية طفله الأول، الذي كان من المفترض أن يحمله بين ذراعيه لأول مرة ويفرح بملامحه الصغيرة؛ ليبدأ معه مرحلةً جديدةً من الحياة تمتلأ بالحب وحنان الأبوة، رَسَم تفاصيلها بعناية في مخيلته، واستعد لها جيداً مع زوجته؛ ليصنع أملاً جديداً في الحياة على هذه الأرض المباركة، رغم أهوال حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة لليوم 447 على التوالي، والتي خطفت أرواح أكثر من 56 ألف شهيد ومفقود.

في تلك الليلة، كانت عينا "أيمن الجدي"، وهو مصور صحفي في قناة "القدس اليوم" الفضائية، اللتان التقطتا مشاهد القصف والدمار والأشلاء، ووثقت كاميراته جنازات الشهداء ومعانة النزوح والخيام وفظائع العدوان الإسرائيلي الغاشم منذ بدايته في السابع من أكتوبر 2023م، تلمعان بالفرح، وقلبه يختلج بالسرور، ولم يستطع إخفاء سعادته الغامرة تلك، فحمل هاتفه ليُوثِّق تلك اللحظات التي كانت من المفترض أن تكون "لحظات مميزة ولا تنسى في حياته"، وبروحٍ جميلة لم تخلُ من الابتسامات والضحك والفرح تحدَّث إلى زملائه الصحفيين في قناة "القدس اليوم"، الذين كانوا يتناولون طعام العشاء، قائلاً -كما ظهر في الفيديو-: "الليلة تاريخ مميز، زوجتي ستلد مولودي الأول وسأصبح أباً". 

لكنَّ تلك الفرحة سرعان ما تبددت، حين وصلت عقارب الساعة إلى (1:20) بعد منتصف الليل، إثر استهداف غادر من طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" لباص البث الخارجي التابع لقناة القدس اليوم الفضائية، أمام مستشفى العودة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لتشتعل فيه النيران ويلتهم لهبها كل الصحفيين المتواجدين في داخله، ويُعلن عن ارتقاء "أيمن" و4 آخرين من الزملاء الصحفيين أثناء تأديتهم عملهم الصحفي ورسالتهم الإعلامية في فضح الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني في غزة. 

"أيمن الجدي" (28 عاماً)، مصور صحفي في قناة "القدس اليوم" الفضائية، التي تبث من قطاع غزة، والتحق بالعمل الصحفي في العام 2022م، وسلَّط بعدسته الضوء على معاناة السكان وواقع القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عاماً، وغطى أحداثاً مفصلية والحروب المتوالية على القطاع وآخرها حرب الإبادة الجماعية الحالية، والتي ارتقى فيها شهيداً، بعد رحلةٍ من العطاء والتفاني والإخلاص في عمله. 

"القدس اليوم": سنواصل رسالتنا الإعلامية المقاومة

وزفت قناة "القدس اليوم" الفضائية، صباح اليوم، نبأ ارتقاء كوكبة من الزملاء الصحفيين العاملين في القناة، الذين ارتقوا في استهداف صهيوني غاشم لباص البث الخارجي في مخيم النصيرات، أثناء تأديتهم واجبهم الصحفي والإنساني وهذه الرسالة السامية.

والشهداء هم: المراسل الصحفي فيصل أبو القمصان، والمصور الصحفي أيمن الجدي، والمونتير الصحفي فادي حسونة، والصحفي إبراهيم الشيخ علي، والمونتير الصحفي محمد اللدعة".

وقالت قناة "القدس اليوم"، في بيان صحفي، إن هذه الجريمة الصهيونية بحق صحفييها تُضاف إلى سلسلة جرائم الاحتلال ضد الصحفيين وحرب الإبادة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني المجاهد.

ونعت القناة تلك الكوكبة الجديدة من صحفييها على طريق القدس والتحرير، مؤكدةً على مواصلتها لرسالتها الإعلامية المقاومة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال قناة "القدس اليوم"، إذ سبق ودمَّر مقرها في برج الشروق خلال معركة سيف القدس 2021م، وخلال حرب الإبادة الحالية 2024م استهدف الاحتلال عدداً من طواقمها من ضمنهم مدير القناة الشهيد الإعلامي وائل أبو فنونة، ودمَّر مقرها الرئيس في برج شوا وحصري بغزة.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

لحظات ما قبل الفاجعة!

يستذكر "عمر الجدي" شقيق الشهيد "أيمن"، اللحظات الأخيرة في حياة شقيقه، قبل الفاجعة، فيقول لمراسل "شمس نيوز": "قبل استشهاده بساعتين فقط، كنا نجلس معاً نتناول العشاء، وكان أيمن في قمة فرحته، ويتحدث عن طفله المنتظر وكأن الدنيا لا تتسع لسعادته".

بصوتٍ يخنقه الحزن يضيف "الجدي": "من فرط سعادته أمسك أيمن هاتفه وصوَّر مقطع فيديو بابتسامته المعتادة، وتحدث فيه عن قُرب ولادة زوجته، وكيف أنه ينتظر تلك اللحظة التي سيصبح فيها أباً، وكل الشباب من حوله يضحكون ويفرحون لفرحه".

صمت "عمر" لهنيهةٍ من الزمن، وأطلق العنان لدموعه التي انهمرت على خديه كالمطر، ثم أكمل بصوتٍ أثقل الحزن حروفه: "حين انتهينا من تناول العشاء، قرر أيمن العودة إلى باص البث الخارجي لمتابعة عمله، بينما ذهبتُ أنا للنوم في سيارتنا، وكانت الساعة حينها تقترب من التاسعة مساءً".

يرجع "الجدي"، بمرارة وحزن عميقين، إلى شريط ذاكرته، ويستعيد اللحظة الأخيرة التي جمعته بأخيه، قائلاً: "آخر ما أتذكره أثناء ذهابه لعمله في الباص هو أنه كان يتحدث عبر هاتفه ليطمئن على زوجته ويدعوا لها بالسلامة التامة".

فجأة، وبدون مقدمات أو سابق إنذار، دوى صوت انفجار هائل، زلزل الأرض، وأضاءت السماء باللهب الأحمر الذي بدَّد الظلمة الداكنة، وتصاعدت ألسنة الدخان حتى كونت سُحباً سوداء، فاستيقظ "عمر" مذعوراً، ونظر حوله فوجد باص البث الخارجي قد اشتعلت فيه النيران بشكل جنوني.. يصف تلك اللحظة بصوت يخنقه الألم: "اللهب كان يلتهم كل شيء بسرعة جنونية، حاولتُ الاقتراب، لكن الحرارة كانت لا تطاق، وشعرت بالعجز الشديد، وما كان لي إلا أن أخرجت هاتفي وصوَّرت المشهد وأنا أبكي وأصرخ بحُرقة تعجز كل لغات الدنيا عن وصفها: "أيمن، أخوي أيمن في الباص".

وبكلماتٍ تخرج من عمق قلبه الموجوع على أخيه الذي لم يكن يعرف سوى الكاميرا والحقيقة: "ما ذنب أيمن كي يُقتل؟ هل الصحافة جريمة؟"، مضيفاً أن: "أيمن كان دائماً في عمله يوثق معاناة أبناء شعبنا، وينقل الصورة والحقيقة للعالم".

عاش الصحفي "أيمن الجدي" تفاصيل الحرب بكل معانيها، فقد تزوج خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة، واستشهد فيها كذلك، لكنَّ الاحتلال الغادر لم يمنحه فرصة تحقيق حلمه برؤية ولي عهده، وحمله بين ذراعيه، ورغم الفاجعة، فإن نبأ لم يصل إلى زوجته التي لا تزال ترقد في غرفة الولادة بمستشفى العودة، تنتظر أن تضع مولودها الأول "بلال"، الذي أراد "أيمن" تسميته تيمناً بصديقه الزميل الصحفي الشهيد "بلال رجب" -الذي استشهد بقصف غادر على محيط سوق "فراس" بمدينة غزة-، وتحمله (والدته) بين يديها، دون أن تعلم أن والده قد رحل شهيداً في يوم مولد ولي عهده.

يومٌ موشَّحٌ بالحزن

مكتسيةً بثوب الحِداد، أشرقت شمس اليوم الخميس، وبدأ الأهالي المكلومون والأسرة الصحفية في تشييع شهدائها، من مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح الحزينة.

كانت والدة الشهيد "أيمن الجدي"، تقف بين جموع المشيِّعين تُودِّع فلذة كبدها، وبصرخةٍ تُقطِّع أوصال القلب، ودموعٍ جاريةٍ كالنَّهر الفيَّاض، وقلبٍ يفيضُ بلوعة الفراق وألم الفقد، قالت: "قتلوا فرحته، والله مرتو بتولد، لسه ما شاف ابنه وما فرح فيه، عشانه بينقل الخبر صار عدو للاحتلال، يلي ما بتحسوا بأم الشهيد، اليوم حسيت.. نار في قلوبنا، طفيها من عندك يا رب."

ارتفاع عدد شهداء الصحافة إلى 201 

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي، اليوم الخميس، ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى (201 صحفياً وصحفيةً) منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة. 

وقال "الإعلام الحكومي"، في بيان صحفي، إن عدد الشُّهداء الصَّحفيين ارتفع إلى 201 صحفياً وصحفيةً بعد استشهاد خمسة من صحفيي قناة "القدس اليوم" الفضائية، إثر قصف جيش الاحتلال "الإسرائيلي" سيارة البث الخارجي التابعة للقناة، في مخيم النصيرات (وسط قطاع غزة).

وأدان المكتب الإعلامي الحكومي بأشد العبارات استهداف وقتل واغتيال الاحتلال "الإسرائيلي" للصحفيين الفلسطينيين، ودعا الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، وكل الأجسام الصحفية في كل دول العالم إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة ضد الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة.

وحمَّل الاحتلال "الإسرائيلي" والإدارة الأمريكية والدول المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية مثل المملكة المتحدة بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا؛ نحملهم المسؤولية الكاملة عن ارتكاب هذه الجريمة النَّكراء الوحشية.

وطالب المكتب الإعلامي الحكومي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمنظمات ذات العلاقة بالعمل الصحفي والإعلامي في كل دول العالم إلى إدانة جرائم الاحتلال وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة وتقديم مجرمي الاحتلال للعدالة.

كما وطالبهم بممارسة الضغط بشكل جدي وفاعل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ولحماية الصحفيين والإعلاميين في فلسطين عامة، وفي قطاع غزة خاصة، ووقف جريمة قتلهم واغتيالهم.