أعلن أحد رجال الأعمال الفلسطينيين مؤخراً عن جاهزيته لشراء البيت الأبيض، وفق السعر الذي يطلبه مالكه، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر استعداده تخصيص مبلغ مليوني دولار لمن يساعده على إتمام تلك المهمة. وليس بعيداً عن ذلك الموقف بأيام توجهت سيدتين متحمستين لإحدى سفارات الولايات المتحدة الأمريكية لتطالبا حراس السفارة بإخلاء المبنى والانتقال خارجه لصالح السيدتين اللتين قررتا الاستحواذ على ذلك المبنى.
كلتا الحالتين على سخريتهما إنما جسدتا الانزعاج الدفين من خطة ترامب القاضية بمصادرة غزة وطرد أهلها وتحويلها إلى مشروع عقاري، في فكرة وصفها رئيس حكومة الاحتلال بـ”الثورية”.
“ثورية” ترامب حسب نتنياهو، لا تأتي من فراغ، خاصة أن الرئيس الأمريكي أقر باتفاقه مع نتنياهو على الفكرة التي أراد من خلالها الأخير أن يطبق، وعلى طريقته إحدى رغبات سابقيه من أركان الحكم في دولة الاحتلال، ممن أرادوا أن يستفيقوا ذات يوم فيجدوا غزة وقد غرقت في البحر.
الغرق أو الدمار أو المصادرة خيارات الفلسطينيين في غزة، حسب إسرائيل، فماذا عن الحياة؟ ماذا عن رد الحقوق لأهلها تجسيداً لإرادة العالم في إنهاء الصراع؟ ماذا عن آلاف القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بغرض تجسيد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم؟
“ثورية” ترامب حقيقة، جاءت استكمالاً لمسلسل نزع الآدمية عن الفلسطينيين، والاستخفاف بهم ومصادرة أحلامهم، وتيمناً بمفهوم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق والمأزوم يوآف غالانت، المستند إلى كونه، وكما صرح مع بداية الحرب، يتعامل مع “حيوانات بشرية” في إشارته للفلسطينيين.
هذا الخطاب هو ذاته الذي تبناه نتنياهو وسعى لنقله لترامب، وإلا ما كان للأخير أن يقبل بتتويج وقف الحرب عبر صفقة قاتل هو من أجلها، بالإعلان عن رغبته تصدير وترحيل وتهجير الفلسطينيين من ديارهم.
“ثورية” ترامب لا بد أن ترتبط بفعل مخالف لمسار ستة وسبعين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي فيتحلل من عقلية نتنياهو القائمة على الضغط والرفض والسحق والطرد، وهو الذي أراد أن يطفئ الحروب، حسب زعمه.
إن جدلية البقاء لن تحسمها القوة والدبابات والطائرات وصنوف السلاح، وإنما التفكير خارج المألوف والانعتاق من عباءة نتنياهو الذي آمن بالقوة على حساب شعب بأكمله. فالدبابات والطائرات والصواريخ وصنوف السلاح لم تسحق إرادة الحياة عند البشرية، كما أن جبروت القادمين الجدد، لم تسحق إرث وتاريخ الهنود الحمر في أمريكا وأستراليا وكندا، بل عززت عودتهم للحياة ومطالبتهم بحقوقهم.
لذا فإن الرئيس الأمريكي يحتاج في ما يحتاجه لمفاجأة البشرية بإصراره على حل الصراع لا تعظيمه، وإلا فإن الإصرار على التهجير سيقابله إصرار الفلسطينيين على الحياة، يرفدهم في ذلك جيش متعاظم من مناصريهم المتمترسين خلف رفضهم للظلم عبر سبلهم الاحتجاجية المختلفة.
"ثورية” التعامل مع المشهد بالتفكير خارج الصندوق الذي صنعه وهندسه نتنياهو هي التي ستحدث الفارق النوعي.. فهل يتخذ ترامب مساراً مخالفاً في تعامله مع الفلسطينيين، تماماً كما فعل في الانتقال إلى مسار خالف سابقيه فيه عند التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية؟ أم يستمر “صاحبنا” في مسعاه لشراء البيت الأبيض؟ ننتظر ونرى.
بقلم: د. صبري صيدم