لوفيجارو
تحطّم التفاؤل الحذر في ربيع 2014 بسبب عدم الثقة والاستياء، فبعد عام من التوقيع على الاتّفاق الّذي يزعم التوصّل إلى مصالحة بين الإخوة الأعداء في فلسطين، عاد الخلاف من جديد بين فتح برئاسة محمود عباس وحماس الحاكمة في قطاع غزّة. ولم يحرز أي تقدّم في تنفيذ خارطة الطريق الّتي وقّع عليها الطرفان منذ تشكيل “حكومة توافقية”.
ويبدو أنّ الانتخابات الموعودة في غضون ستّة أشهر بعيدة أكثر من أيّ وقت مضى، ويتّهم كلّ طرف الآن بإدامة الانقسام بين الإقليمين بدلًا من العمل على تقاربهما.
وضعية مالية بائسة
يشير معظم المراقبين إلى أنّ حماس لم توافق على إعادة إطلاق عملية المصالحة إلّا بسبب الوضع المالي المتردّي الّذي تواجهه منذ تدمير أنفاق التهريب الّتي تربط القطاع الفلسطيني بسيناء، وقد صرّح المحلّل في المركز الدولي للأبحاث International Crisis Group ناثان ثرال أنّ “من خلال إعادة العلاقة مع فتح، أمل قادة حماس في إجبار رام الله على دفع مرتّبات الموظفين في غزّة والحصول على تخفيف للحصار المفروض من قبل “إسرائيل” ومصر.
ووفقًا لما تمّت مناقشته منذ اتّفاقات القاهرة في 2011، أرادوا أيضًا دمج الهيئات الإدارية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتزمت بالتخلّي عن السلطة في قطاع غزّة“. لكن، اختنقت هذه الوعود في رمال القطاع الصغير منذ عام.
ويحمّل محمود الزهار -أحد قادة حماس التاريخيين والمعروف بقربه من جناحها المسلّح- السلطة الفلسطينية المسؤولية عن هذا المأزق. وقد تضرّر منزله خلال القتال بين الفصيلين في عام 2007، ومن ثمّ دمّر في غارة إسرائيلية خلال الحرب على غزّة في صيف 2014، ولم يتمّ بعد الانتهاء من أشغال إعادة بنائه. وقد ألقى خطبة لاذعة ضدّ الرئيس عبّاس الّذي اتّهمه بانتهاك الالتزامات الرئيسة الّتي تمّ التوصّل إليها يوم 23 أبريل 2014؛ إذ قال: “كان من المتوقّع أن تنظّم الانتخابات على وجه السرعة من أجل تجديد المجلس التشريعي الفلسطيني ورئاسة السلطة والهيئات الإدارية في منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن، أبو مازن [محمود عبّاس] رفض الالتزام بوعوده؛ لأنه يخشى أن يهزم في صناديق الاقتراع”.
وفي اتّهام أخطر، يعتقد محمود الزهار أنّ “محمود عباس مسؤول بنسبة 100 % عن الحصار المفروض على قطاع غزة“، ويلوم السلطة الفلسطينية بعرقلة إعادة فتح معبر رفح المصري وتأخير إيصال المواد الضرورية لإعادة بناء 18 ألف منزل دمّروا خلال الحرب الأخيرة، وقد أكّد القيادي الإسلامي على أنّ “الإسرائيليين يريدون فتح نقاط العبور من أجل تسهيل إعادة البناء، ولكن رفض أبو مازن. ويعتقد أنّ المعاناة الّتي أدركها الشعب الفلسطيني خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير ستقوده إلى إدارة ظهره إلى حماس ولكنه مخطئ؛ بل إنّنا نحن من نقنع الدول العربية والرأي العام الدولي بأنّها المسؤول الرئيس عن حصارنا“، ويضيف باسم نعيم أحد المسؤولين عن العلاقات الدولية داخل الحركة بأنّ “رام الله تستخدم كلّ الذرائع لعرقلة إعادة إدماج 40 ألف موظّف في قطاع غزّة، في حين أنّهم لم يتلقّوا مرتّباتهم منذ أكثر من عام“.
وتتّهم السلطة الفلسطينية الّتي ترفض هذه الاتّهامات حماس بعرقلة وضع “الحكومة التوافقية” المعينة من قبل محمد عبّاس في غزة، ويعتبر المسؤول في فتح “أمين مقبول” أنّ حماس “هي من لا تريد في الواقع وضع حدّ للانقسام“. ولكن، هذه التصريحات لم تقنع الشركاء الدوليين للسلطة الفلسطينية الّذين يجاهدون في إخفاء نفاذ صبرهم؛ إذ صرّح دبلوماسي غربي: “بدأنا في إعلامهم بأنّنا لن نستمرّ إلى أجل غير مسمّى في تمويل مرتّبات الآلاف من الموظّفين الفلسطينيين المحكومين بالبطالة التقنية بسبب مأزق المصالحة”.
وفي هذا السياق، يبدو أنّ قادة حماس لم يعودوا يعوّلون على السلطة الفلسطينية من أجل التوصّل إلى تخفيف للحصار؛ إذ كثّفوا من الإشارات على استعدادهم لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل”، وتشير العديد من المصادر أنّ هذه المفاوضات قد تركّز على إقرار هدنة بخمس أو عشر سنوات. وقد صرّح أحمد يوسف المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسلامي إسماعيل هنية: “إذا ما سمح الإسرائيليون لنا بفتح الميناء أو بتطوير ممرّ بحري يسمح لنا بالوصول إلى قبرص أو تركيا، سنكون على استعداد لضمان الهدوء على الحدود“، وصرّح محمود الزهار من جهته: “إن بناء الميناء حقّنا بموجب اتّفاقيات أوسلو؛ ولهذا سنسعى إلى التوصّل إلى اتّفاق من شأنه أن يسمح للفلسطينيين بمغادرة غزّة دون المرور عبر الحدود مع مصر أو مع إسرائيل في ظلّ نظام مراقبة دولية“.
تتعثّر هذه المطالب حتّى الآن بسبب رفض “إسرائيل” الدخول في محادثات مع الحركة المدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية، ولكن يحذّر بعض ضبّاط الجيش الإسرائيلي من خنق الحركة الّتي تسيطر على القطاع منذ عام 2007؛ إذ أشار اللواء سامي ترجمان قائد المنطقة الجنوبية إلى أنّ “لا بديل عن حماس لقيادة قطاع غزّة“، قبل أن يحذّر من خطر “الفوضى الأمنية” إذا ما فقد الحزب الإسلامي سيطرته على القطاع.