غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

تفاصيل مؤلمة لمجزرة الصحفيين بالمعمداني.. أربعة شهداء وكاميرا تنزف: أحدهم أنقذه "كوب قهوة"!

شمس نيوز - وليد المصري

كانت عقارب الساعة تقترب من الثامنة صباحاً، حين بدأ "سمير الرفاعي"، أحد كوادر وكالة شمس نيوز للأنباء، كعادته كل يوم، بترتيب زاوية مخصصة للصحفيين، حيث أحضر الطاولات والكراسي، ونصبها تحت شجرة قديمة يجلس الصحفيون في ظلها، بجانب جدار مبنى الإسعافات في ساحة مستشفى الأهلي العربي المعمداني بمدينة غزة. 

على بُعد مسافة لا تتجاوز 6 أمتار من "الرفاعي"، كان الزميل "إسماعيل بدحمصور قناة فلسطين اليوم الفضائية، يُجهز كادر الكاميرا ويضبط إعداداتها استعداداً لظهور الزميل الصحفي "عماد دلول" مراسل قناة فلسطين اليوم، في رسالة صحفية عبر الهواء مباشرةً؛ ليضع المشاهدين في تطورات الأوضاع وآخر المستجدات في قطاع غزة، وينقل معاناة أبناء شعبه، الذين يرزحون تحت حرب إبادة جماعية تشنها "إسرائيل" على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023م.

وتحت ظل الشجرة، كان الزميل الصحفي في قناة فلسطين اليوم "سليمان حجاج"، الذي وصل هو الآخر في تمام الثامنة صباحاً، يجلس على كرسيه مواكباً التغطية الإخبارية، والنشر عبر المنصات الإخبارية؛ ليضع الجمهور في صورة الأحداث أولاً بأول، وسط أزيز الطائرات الإسرائيلية، قبل أن تفرغ حمولتها فوق ساحة مستشفى المعمداني. 

12264c2b-cf81-4d48-b7b6-453c72371b3e.jpeg

فصول الجريمة الغادرة، كُتِبت في صباح يوم الخميس (الخامس من شهر يونيو للعام 2025م)، الموافق ليوم عرفة (التاسع من شهر ذي الحجة)، حين سقطت طائرة إسرائيلية مُسيَّرة انتحارية كانت تُحلق بشكل مكثف فوق ساحة المستشفى المعمداني، دون سابق إنذار، قرب تجمعٍ للصحفيين في ساحة "المعمداني" بشكل مباشر، ما أسفر عن ارتقاء 3 صحفيين على الفور، فيما ارتقى رابع في وقت لاحق، ويُصاب عدد كبير من المواطنين والصحفيين بجروح خطرة.

بعد الاستهداف مباشرة، هرع الزميل "مطر الزق" مدير التحرير في وكالة "شمس نيوز"، الذي كان، يُعد تقريراً صحفياً خارج المستشفى المعمداني ليسلط الضوء على معاناة أحد الناجين من مجزرة إسرائيلية، وحين وصل لمكان الاستهداف صُدم بمشاهد الدماء المتناثرة، وجثامين زملائه.

وذكر مراسل "شمس نيوز"، أن الشهداء الصحفيين هم الزملاء: إسماعيل بدح، وسليمان حجاج، وسمير الرفاعي، وأحمد قلجة مصور التلفزيون العربي"، فيما أصيب الزملاء "عماد دلول، وإسلام بدر مراسل التلفزيون العربي، ومحمود الغازي.

يقول الزميل "الزق": "المكان الذي كنا نجلس فيه كان مكشوفاً للعالم أجمع، ولم نكن نصنع فيه قنابل ولا نُخفي مطلوبين، إنما هو عبارة عن طاولة صغيرة وكراسي تحت شجرة في ’المعمداني’ نعمل في ظلها من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، من أجل نقل الحقيقة، وتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي بأقلامنا، وكتاباتنا، وأصواتنا، والصور ومقاطع الفيديو الحصرية". 

مطر الزق.enc

وأضاف: "وقت وقوع الاستهداف كان عدد الحاضرين من الصحفيين قليلاً جداً على غير العادة، إذ إن جموع الصحفيين في المعتاد تكون أكبر بكثير في تلك الساعة، لكن القدر شاء غير ذلك، حيث صادف ذلك اليوم وقفة عرفة، وكان كثير من الشباب صائمين قائمين، ما حال دون حضورهم مبكراً، وكان بعضهم في طريقه، وبعضهم الآخر نوى الحضور لاحقاً، وكأنما كتب القدر ألا يكونوا هناك في تلك اللحظة المرعبة".

ووصف الزميل "الزق"، استهداف الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين بشكل متعمد بـ "الكارثة الحقيقية، حيث يحاول الاحتلال منذ بداية هذه الحرب أن يُسكت صوت الصحفي الفلسطيني على مدار الوقت، بهدف إخماد صوت الحقيقة ووقف نقل الجرائم الإسرائيلية للعالم؛ لأن نقل هذه الجرائم يؤثر على صورة المحتل الإسرائيلي، ويؤثر على صورة المجرم نتنياهو".

ويؤكد "الزق": "كنا نوثّق جرائم الاحتلال بشكل مهني ودقيق، وبأعلى درجات المصداقية، ولا يمكن أن نترك جرائمه بحق الأطفال، والنساء، والشيوخ، والرجال، وبحق المستشفيات، والبنية التحتية، والكوادر الطبية، وبحق كل فئات الشعب الفلسطيني، تمر هكذا، وسنبقى نوثقها، وسنوصلها للعالم أجمع، لنصرة الرواية الفلسطينية، ولنصرة القضية الفلسطينية، مهما كلفنا ذلك من ثمن".

لم تكن دماء الشهداء الصحفيين قد جفت بعد، حين وصل الزميل الصحفي "صلاح المدهون" مراسل قناتي المسيرة اليمنية، والقدس اليوم الفضائية، إلى مكان الاستهداف، ورأى أجساد زملائه المخضبة بالدماء، وشاشة حاسوب محطمة ما زالت تعرض تقريراً لم يُستكمل بعد، وكاميرا مُلقاة على الأرض.

صلاح المدهون.enc

يقول المدهون، لمراسل "شمس نيوز": "المشهد كان صادماً ومؤلماً للغاية، وقد تابعتُ بكل حزن وأسى استشهاد ثلة من الزملاء الصحفيين الأفذاذ الذين لم يتوقفوا للحظة عن أداء مهمتهم في توثيق جرائم العدو الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني في جريمة تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية على مرأى ومسمع من العالم الظالم".

وأضاف "المدهون" أن "العدو يحاول في كل مرة طمس الحقيقة وقتل الصورة باستهداف الصحفيين الفلسطينيين، ولولا أن الصحفي الفلسطيني نجح في أداء مهمته في دحض الرواية الإسرائيلية لما تم استهدافه بشكل مباشر من جيش الاحتلال".

وأكد أن هذه الجريمة لن تثني الصحفيين عن أداء واجبهم، وحتماً سيكملون رسالتهم بكل عزيمة وبكل الوسائل بالصوت والصورة والقلم فالصحفي الفلسطيني اليوم يمثل رأس حربة الحقيقة التي ينبغي أن تصل للعالم والمجتمع الدولي رغم الصمت في ظل منع الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة".

لم يكن الزميل الصحفي "أحمد البرش" مراسل قناتي بي بي سي وفلسطين اليوم، يعلم أن ذهابه لشراء كوب قهوة من إحدى البسطات الشعبية خارج المستشفى، ستكون اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت.

أحمد البرش.jpg

 فبينما كان "البرش" الذي حضر مٌبكراً إلى المستشفى المعمداني كعادته لممارسة عمله الصحفي، على بٌعد خطوات قليلة داخل حديقة المستشفى حاملاً كوب قهوته، سمع صوت صفير الصاروخ الذي تبعه انفجار عنيف هز المكان بأكمله.

هرع "البرش" لمكان سقوط الصاروخ، ليُفجع بمشاهدة عدد من زملائه تملأ أجسادهم الشظايا ويغرقون في دمائهم على الأرض بلا أي حراك، بينما لا تزال صرخات زميله "عماد دلول" الذي أُصيب بجروح بليغة في أنحاء متفرقة في جسده، تتردد في أذنيه، إذ كان يتلوى من الألم، ويطلب النجدة وسط بركة الدماء، ليُنقل مباشرة إلى غرفة العمليات بالمستشفى المعمداني؛ لتلقي العلاج، في ظل منظومة صحية متهالكة وعلى شفا الانهيار. 

يقول الزميل "البرش": "رأيتُ الزملاء يتساقطون أرضاً.. سليمان، إسماعيل، أحمد، سمير، عماد... نقلوا إلى نقطة الطب الميداني، وسرعان ما فارق سليمان حجاج الحياة، ولحقه سمير الرفاعي، بينما قال الطبيب عن الزميل المصور إسماعيل بدح: "آن لجسده أن يستريح"، رحلوا في لحظة، وبقيت نظرات عماد وجسده الغارق بالدماء تحكي وجع الناجين".

وأضاف بحزن عميق: "نحن لسنا بخير... ولسنا في مأمن".

وبارتقاء الصحفيين الأربعة يرتفع عدد الشهداء الصحفيين جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى 225 شهيداً.

نقابة الصحفيين: استهداف الصحفيين فصل جديد للإبادة الشاملة

وأكد نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، الدكتور تحسين الأسطل، أن عملية الاستهداف الإسرائيلية الغادرة لخيمة مخصصة للصحفيين داخل ساحة مستشفى المعمداني بمدينة غزة، هي فصل جديد من فصول حرب الإبادة الشاملة التي تستهدف الصوت الحر والحقيقة الميدانية يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال يتعمد اغتيال الحقيقة وكسر عين الكاميرا، في محاولة مستميتة لحجب الجرائم اليومية التي تُرتكب بحق المدنيين العزل في قطاع غزة.

وقال د. الأسطل، في حواره مع "شمس نيوز"، إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ باستهداف الصحفيين بشكل مباشر، بل تمادى في جرائمه ليُوقع أكبر عدد ممكن من الشهداء في صفوف الإعلاميين، حيث بلغ عدد الشهداء من الصحفيين منذ بدء عدوان 7 أكتوبر 2023 حتى اليوم 225 شهيداً، من بينهم 30 زميلة صحفية، بالإضافة إلى مئات المصابين وعشرات الأسرى في سجون الاحتلال.

وأضاف أن الاحتلال ارتكب مجازر بحق عائلات الصحفيين أيضاً، إذ قتل ما لا يقل عن 700 من أقاربهم، وشرّد مئات آخرين في ظروف غير إنسانية، فيما أُصيب 440 صحفياً بجروح مختلفة، بينهم من فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لإعاقات دائمة.

وفيما يتعلق بالاعتقالات، كشف نائب نقيب الصحفيين أن الاحتلال اعتقل 180 صحفياً منذ بدء العدوان، من بينهم 17 صحفية تم الإفراج عنهن لاحقاً، و42 صحفياً يقبعون تحت الاعتقال الإداري دون تهم، لافتاً إلى وجود صحفيين معتقلين قبل الحرب ولا يزالون في سجون الاحتلال حتى اليوم.

ولفت د. الأسطل إلى أن الاحتلال دمر 115 مقراً ومؤسسة إعلامية في قطاع غزة عبر القصف المباشر، وأغلق 5 مؤسسات صحفية في الضفة الغربية والقدس، إلى جانب تدمير 12 مطبعة صحفية، في محاولة لعزل الرواية الفلسطينية وطمس معالم الجريمة.

"الإعلامي الحكومي": الاحتلال يحاول تصفية الصوت الفلسطيني الحر

من جهته، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، د. إسماعيل الثوابتة، أن "استهداف الصحفيين في محيط منشأة طبية هو جريمة مزدوجة تخالف كل القوانين الدولية، خاصة اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المرافق الطبية والصحفيين"، مديناً تلك الجريمة البشعة بأشد العبارات.

وشدد د. الثوابتة، في حواره مع "شمس نيوز"، على أن هذه الجرائم لن تُثني الصحفيين الأحرار عن أداء رسالتهم في كشف الحقيقة، بل ستزيدنا إصراراً على توثيق كل جريمة تُرتكب بحق شعبنا الفلسطيني العظيم.

وبيَّن أن استهداف 225 صحفياً شهيداً خلال 20 شهراً من القتل والإبادة يكشف عن حجم الجريمة والخوف الإسرائيلي من الكاميرا والقلم والصوت الفلسطيني الحر، مشيراً إلى أن استهداف الاحتلال للصحفيين بهذا الشكل المكثف ليس عشوائياً، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات الحقيقة، وطمس الجرائم، ومنع توثيق المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين في قطاع غزة.

ومع غياب التغطية الدولية المباشرة، يتضاعف العبء على الصحفي الفلسطيني الذي يعمل في ظروف قاسية وخطرة، لكن د. الثوابتة يرى أن "إرادة الصحفيين الفلسطينيين لا تزال صلبة، وقد نجحوا في إيصال الرواية الفلسطينية بكل اقتدار رغم الجراح والخسائر"، لكنه يقول إن "استمرار هذه الجرائم يُهدد مستقبل الإعلام الفلسطيني ويُعرض الحقيقة للخطر".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

ويُطالب الصحفيون في قطاع غزة، المجتمعَ الدولي والمؤسسات الصحفية الدولية والاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب إلى التحرك الفوري لإدانة جرائم الاحتلال بحقهم، وفتح تحقيقات دولية تُفضي إلى محاسبة قادة الاحتلال كمجرمي حرب، كما يطالبون بتوفير الحماية الدولية لهم، وتمكينهم من أداء دورهم بحرية وأمان، والسماح الفوري بدخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، ليروا الحقيقة بأعينهم.

ومنذ 18 مارس الجاري، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع غزة استمر 58 يوماً منذ 19 يناير 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم الولايات المتحدة.

ويرتكب الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، خلفت أكثر من 179 ألف مواطن بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلًا عن دمار كبير في البنية التحتية والمنازل.