غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

"بين دمار اليوم وحلم الغد".. من يعيد رسم الطريق؟

شباب ينطمون مباراة كرة قدم رغم الحرب.webp
شمس نيوز - مصطفى حمودة / اسلام سلمان

 وسط الركام والحصار المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، يعيش سكان قطاع غزة واقعًا يوميًا تتداخل فيه المآسي بالأمل، ويصير المستقبل مجرّد فكرة مؤجّلة، لا تتجاوز حدود البقاء، في هذا المكان المنهك بالصراعات، لا تُقاس الحياة بالأيام أو بالخطط، بل بالصبر، ومحاولات النجاة من دون أن يفقد الناس قدرتهم على الحلم، ولو بشكل مؤقت.

سؤال الغد.. بلا إجابة

في كل بيت من بيوت غزة، يتردّد السؤال ذاته: ماذا بعد؟، سؤال يتكرر في أحاديث الشباب والطلبة، في الأسواق والمنازل، ويعبّر عن قلق جماعي من غدٍ غامض. يقول نبيل (24 عامًا) ، خريج جامعي من مخيم النصيرات: "أفكر بالهجرة للدراسة، لكن لا معابر، ولا جواز، ولا فرصة. نحن عالقون في مكان بائس، فقط نحاول ألا ننهار."

بالنسبة له ولآلاف من جيله، تحوّل الحلم إلى ترف، والخطط الطويلة الأمد إلى شيء غير واقعي. أصبح الغد حمولة ثقيلة لا يعرف أحد كيف يواجهها.

تعليم بلا جدوى... شهادات في مهبّ الانتظار

رغم انهيار القطاعات الحيوية، يواصل آلاف الطلبة تعليمهم الجامعي، مدفوعين بأملٍ داخلي يصارع العجز والضيق. لكن غياب الأفق الوظيفي يحوّل الشهادات إلى أوراق مؤجلة الفائدة، وهو ما يتطلب وقفة جادة من الجهات المسوؤلة تجاه مئات الآلاف من الخريجيين.

تقول دلال (21 عامًا)، طالبة إعلام في جامعة غزة: "أحاول أن أواصل دراستي، لكن لا أرى النهاية. الوظائف غير موجودة، وزملاء كثيرون تركوا الجامعة بسبب النزوح أو اليأس أو العجز المالي، وجراء العدوان المتواصل".

هكذا يتبدّى المشهد: تعليم بلا ضمان، وكفاح علمي في ظل واقع لا يمنح ثماره إلّا لفئة قليلة، فيما تغيب فرص الاستقرار أو التطوير الشخصي.

واقع خانق يبدد الأحلام

البنية التحتية شبه منهارة، والكهرباء لا تصل إلا لساعات محدودة، والاقتصاد مشلول بفعل الحصار والانقسام. يعيش الناس على المساعدات الطارئة، وسط غياب شبه كامل للمشاريع الإنتاجية أو التنموية.

يؤكد الأستاذ نزار صيام، أستاذ علم الاجتماع، أن القطاع يعاني من "صدمة جماعية متراكمة"، مضيفًا: "لا كهرباء، لا ماء، لا اقتصاد، ولا استقرار... في مثل هذا الواقع، كيف يمكن أن يُبنى حلم أو يُرسم مستقبل؟"

متابعاً: جيل كامل بات يعيش الحاضر فقط، دون أدوات للتخطيط أو الأمل.

 

الإعمار المؤجل والغياب السياسي

رغم مرور أشهر على آخر موجة تدمير، لا تزال خطط إعادة الإعمار متوقفة، والمساعدات مشروطة أو مؤجلة، والمفاوضات السياسية غائبة.

يقول المهندس أحمد دلول، منسق مشاريع إعمار سابق: "لا خارطة طريق واضحة، ولا تمويل كافٍ، والثقة الشعبية تآكلت. الناس ملّت الوعود، وتعيش في حالة ترقّب دائم دون أمل حقيقي."

وأضاف: حالة اللايقين هذه تعيق إعادة البناء الجسدي والاجتماعي معًا، وتزيد من هشاشة الوضع الإنساني والاقتصادي.

بصيص حياة... في التفاصيل الصغيرة

رغم كل هذا الخراب، لا تزال غزة تحتفظ بنبض حياةٍ عصيّ على الانطفاء. في الأزقة المهدّمة، يلعب الأطفال بما توفر من تراب، وفي خيام متواضعة تُقام دروس لمحو الأمية.

يقول محمود (35 عامًا) ، عامل في منظمة إنسانية: "نحن لا نعيش بالوفرة، بل بالإصرار. نزرع الأمل رغم الحصار، ونكتب على جدران الدمار كلمة (غدًا)."

غزة، برغم كل شيء، لا تستسلم. سكانها يخلقون من التفاصيل اليومية طاقة للبقاء، ويُصرّون على أن الحلم وإن تأجّل، فإنه لم يمت.

رغم كلّ ما يثقل كاهل غزة من دمار وحصار وانكسارات، فإن أهلها لم يغادروا مواقعهم في الوجدان، ولا أرضهم في الواقع. لم يلوّحوا براية الاستسلام، ولم يتخلّوا عن انتمائهم، بل ظلّوا متمسكين بجذورهم، يزرعون الأمل تحت الأنقاض، ويحلمون بوطنٍ يتّسع لأبنائه جميعًا.

لكن هذا التمسك الصادق لا يمكن أن يستمر على الإرادة وحدها، ولا على الصبر المفتوح. فالمسؤولية اليوم ليست فقط على من يحاصر غزة من الخارج، بل أيضًا على من يُفترض أنهم أمناؤها في الداخل. إنّ تثبيت الناس في أرضهم، ودعم صمودهم، لا يكون بالخطابات ولا بالمناكفات، بل بالفعل الجاد، والسياسات المسؤولة، والعدالة الاجتماعية، والتخطيط لمستقبل يليق بهذا الشعب الذي اختار أن يعيش، رغم كل ما يدفعه إلى الموت.

إن غزة لا تحتاج إلى شفقة، بل إلى شراكة حقيقية في القرار والمصير. وحان الوقت لأن يقف المسؤولون – جميعًا – عند مسؤولياتهم، قبل أن تنطفئ شرارة الصبر، وقبل أن يتحوّل الحلم المؤجل إلى خيبة لا رجعة فيها.أعلى النموذج

وأسفل النموذجرغم كلّ ما يثقل كاهل غزة من دمار وحصار وانكسارات، فإن أهلها لم يغادروا مواقعهم في الوجدان، ولا أرضهم في الواقع. لم يلوّحوا براية الاستسلام، ولم يتخلّوا عن انتمائهم، بل ظلّوا متمسكين بجذورهم، يزرعون الأمل تحت الأنقاض، ويحلمون بوطنٍ يتّسع لأبنائه جميعًا.

لكن هذا التمسك الصادق لا يمكن أن يستمر على الإرادة وحدها، ولا على الصبر المفتوح. فالمسؤولية اليوم ليست فقط على من يحاصر غزة من الخارج، بل أيضًا على من يُفترض أنهم أمناؤها في الداخل. إنّ تثبيت الناس في أرضهم، ودعم صمودهم، لا يكون بالخطابات ولا بالمناكفات، بل بالفعل الجاد، والسياسات المسؤولة، والعدالة الاجتماعية، والتخطيط لمستقبل يليق بهذا الشعب الذي اختار أن يعيش، رغم كل ما يدفعه إلى الموت.

أسفل النموذج