لم تعد المدارس في قطاع غزة فضاءً للتعلم ولا منارات للمعرفة، بل تحوّلت إلى أطلال شاهدة على مأساة جيل يُحرم من أبسط حقوقه. فمع استمرار العدوان، بات التعليم في مهبّ الريح، وتحوّل مستقبل آلاف الأطفال إلى فراغٍ قاتم.
مدارس تحترق.. ومستقبل يتلاشى
أكثر من 300 مدرسة ومؤسسة تعليمية طالتها صواريخ الحرب، إما بشكل مباشر أو غير مباشر. بعضها دُمّر كليًا، وأخرى تحوّلت إلى مراكز إيواء تعجّ بالنازحين، تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة، فضلًا عن أدوات التعليم.
في هذه الأماكن، لا كتب ولا مقاعد، ولا حتى فسحة لهو أو بصيص أمل. ساحات الطفولة باتت مشاهد للبؤس، وحلم العودة إلى مقعد الدراسة أصبح أمنية بعيدة المنال.
طفولة بلا مدارس.. وأحلام مُعلّقة
يقول الطفل أحمد (11 عامًا) من مخيم جباليا: "اشتقت للمدرسة، للكتب، للأصدقاء... الآن لا يوجد شيء سوى الخوف والضجيج، حتى النوم صعب."
ويضيف بصوت خافت يخنقه الألم: "أريد أن أتعلم كي أصبح طبيبًا، لكن لا أعرف كيف، كل شيء توقف."
معلّمون على الجبهات.. بلا رواتب أو أدوات
رغم الظروف الكارثية، يقف المعلمون في غزة في خط الدفاع الأول عن مستقبل الطلبة. لا طاولات ولا كتب ولا وسائل إيضاح، لكنهم يواصلون التعليم وسط الخيام وتحت الأشجار، بإرادة لا تنكسر.
تقول المعلمة سلمى أبو شملة من دير البلح: "نُدرّس في العراء، نحاول أن نُبقي جذوة التعليم مشتعلة، رغم انعدام كل شيء تقريبًا."
وتُشير إلى أنهم لم يتلقوا رواتب منذ شهور، ومع ذلك لا يتخلون عن طلابهم، مدفوعين بإيمان عميق بأن التعليم هو آخر ما تبقى في معركة الصمود.
نسيان الحروف والأرقام.. محو قسري للذاكرة التعليمية
الأمهات بدورهن يدقن ناقوس الخطر. فبعد شهور من الانقطاع، بدأ الأطفال ينسون القراءة والكتابة، ويعانون من اضطرابات في النطق والانتباه.
تقول "أم محمد"، أم لثلاثة أطفال: "ابني كان يقرأ القصص، واليوم لا يستطيع كتابة اسمه. هذا أكثر وجعًا من الجوع ذاته."
أزمة ممتدة.. وجيل خارج المنظومة
بحسب تقارير أممية، فإن نحو 625 ألف طالب تأثروا بشكل مباشر بتعطل العملية التعليمية، فيما تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الأطفال في بعض المناطق لم يتلقوا أي نوع من التعليم المنتظم منذ بداية العدوان.
رنا الشوا، منسقة تعليم في إحدى المؤسسات الدولية، تصف الوضع بالكارثي: "نحن لا نتحدث فقط عن تأخّر دراسي، بل عن جيل خرج فعليًا من المنظومة التعليمية."
وتُضيف أن هناك مبادرات للتعليم البديل عبر الإنترنت أو الصفوف الطارئة، لكن انقطاع الكهرباء، وضعف الإنترنت، والتشتت السكاني، جميعها تحديات تعيق التنفيذ.
تحذير تربوي: مستقبل غزة في خطر
ويحذر الدكتور عدنان الصواف، الباحث في الشأن التربوي الفلسطيني، من أن ما يحدث في غزة ليس مجرد انقطاع مؤقت، بل كارثة استراتيجية.
"حين يُحرم الطفل من التعليم لسنوات، يصعب إعادة دمجه، وتزداد احتمالات الانحراف أو الانغلاق أو الهجرة."
ويؤكد أن الانهيار التعليمي سينعكس لاحقًا على البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قائلاً: "الأمر لا يتعلق فقط بالصفوف والكتب، بل بالهوية، والوعي، وحق هذا الجيل في البقاء على قيد الأمل."
نداء أخير: أنقذوا التعليم
في ظل هذه الصورة القاتمة، يبرز مطلب عاجل للمجتمع الدولي: أنقذوا التعليم في غزة كما تُنقذون الغذاء والدواء، ففقدان التعليم يعني ببساطة فقدان المستقبل.
