في مشهدٍ يتكرر كل يوم في جنوب قطاع غزة، تحدق عيون أطفال أنهكهم الجوع صوب السماء، حيث تمر طائرات تُلقي مظلات تحمل ما يُفترض أنه "مساعدات إنسانية"، لكن سرعان ما تتحوّل هذه المظلات من رموز للنجاة إلى فخاخ موت، إما بهبوطها في مواقع عسكرية إسرائيلية أو بسقوطها فوق رؤوس مدنيين أبرياء.
إنزال جوي... في مناطق الموت
في قيزان النجار شرق خانيونس، حيث يسيطر جيش الاحتلال بشكل كثيف، تساقطت مجددًا صناديق الإنزال الجوي التي حملتها طائرات من دول عربية كالأردن ومصر والإمارات، وما إن اقترب الأهالي منها، حتى انسحبوا بخيبةٍ وذعر، بعدما أدركوا أنها باتت من نصيب الجنود لا الجوعى.
محمد شراب، أحد الشبان الذين لاحقوا المساعدات، قال ساخرًا: "هذا النظام منكم وإليكم.. العرب يسقطون المساعدات عند من يقتلنا".
تسجيلات تؤكد السقوط المتكرر قرب الاحتلال
وثّقت شيماء أبو تيم، شابة من خانيونس، لحظة سقوط المظلات قرب سجن "أصداء" العسكري، وقالت: "كل مرة تسقط المساعدات عند الجيش، وكأن الطيّار بيحسبها بالملم".
وأضافت أن البعض حاول الاقتراب، لكنهم انسحبوا خوفًا من التعرّض لإطلاق النار، خاصة أن المنطقة تُصنف "حمراء" عسكريًا، أي منطقة قتل مباشر لأي مدني.
أطفال ينتظرون الطائرة... لا الطعام
في المواصي غرب خان يونس، يقف الطفل عُمر ينظر للسماء يوميًا، لكن كل ما يصله منها هو صوت الطائرة، لا الطعام.
عُمر ورفاقه يشاهدون الصناديق وهي تُرمى بعيدًا عنهم، في الوقت الذي تتساقط فيه أرواح المدنيين جوعًا أو تحت حطام صناديق المساعدات ذاتها التي أخطأت الهبوط.
فشل معلن وإنزال عبثي
رغم الضجة الإعلامية، تؤكد وكالة "الأونروا" أن ما يصل عبر الإنزال الجوي لا يغطي حتى 1% من احتياجات سكان غزة اليومية.
ويتم إسقاط نحو 52 طردًا فقط يوميًا، كثير منها يسقط في البحر أو في مناطق قتال.
حتى الآن، قتل 147 مدنيًا على الأقل بسبب الفوضى الناتجة عن الإنزال الجوي أو بسبب سقوط الصناديق فوقهم، وجرح عشرات آخرون.
"مسرحية هزلية"!
وصفت حركة حماس هذه العمليات بـ"المسرحية الهزلية"، واعتبرت أن الحل الجاد يتمثّل في فتح المعابر فورًا وتوفير الغذاء والدواء بطريقة كريمة وآمنة، بعيدًا عن عروض السماء القاتلة.
أرقام مهولة ومأساة مستمرة
منذ أكتوبر 2023، ارتكبت "إسرائيل" مجازر متواصلة بحق سكان قطاع غزة، أوقعت أكثر من
59,821 شهيدًا و144,851 مصابًا، وسط دعم أمريكي وصمت دولي مخزٍ.
الإنزال الجوي ليس إنقاذًا، بل خداع بصري يصرف الأنظار عن الحقيقة: أن الجوع في غزة مُدبَّر، والدماء تُسال تحت غطاء إنساني زائف.
