في قطاع غزّة، حيث تختلط الحرب بالحصار، والفقد بالوجع، لا يزال بصيص الأمل يتسلل من بين الأنقاض، هنا، لا تموت الحياة بسهولة، مبادرات فردية وشبابية تنبض بالحياة، وتصنع من الألم فعلًا، ومن الخراب بداية جديدة.
فصل دراسي من ابقايا الخشب
في أحد أحياء غزة الشرقية، أقام محمود (26 عامًا)، وهو خريج تربية، فصلًا تعليميًا للأطفال، مستخدما بقايا الخشب المهملة لصناعة مقاعد، وثبّت لوحة صغيرة على جدار مهدّم، وبدأ بتعليم الأطفال الحروف والأرقام.
يقول محمود: "لا أستطيع أن أغيّر الواقع، لكن يمكنني أن أزرع بذور معرفة وسط الخراب".
ويضيف: "الأطفال كانوا خائفين وصامتين، الآن يضحكون، يكتبون، يحلمون... وهذا يكفي."
التطريز في الخيمة: خيوط من الصبر
أم ناهد، سيدة خمسينية نازحة، تجلس في خيمة متواضعة وتطرّز الثوب الفلسطيني بخيوط حمراء وخضراء، وعلى الرغم من الإرهاق، تقول: "في كل غرزة أضع قليلاً من صبري، ومن دمي، ومن حبّي لهذا المكان".
بدأت ببيع تطريزاتها عبر صفحات محلية على الإنترنت بمساعدة بناتها. تقول: "العمل أعاد لي شيئًا من الكرامة، وأبعد عنّي الحزن".
مبادرات شبابية: نور في العتمة
أطلقت مجموعة شبابية مبادرة "نور" لصناعة شموع يدوية من مواد معاد تدويرها وتوزيعها على العائلات في الليالي المظلمة.
تقول سارة (22 عامًا): "بدأنا نحن الثلاثة فقط، والآن معنا عشرون متطوعًا. في كل بيت ندخله، نضيء شمعة، ونترك كلمة أمل".
ورغم بساطتها، أصبحت المبادرة نموذجًا لما يمكن لفكرة صغيرة أن تحققه في واقع قاتم.
موسيقى في السوق: لحن الحياة
في مخيم الشاطئ، يجلس أنس (19 عامًا) على رصيف السوق، يعزف على عوده ويغني أغاني تراثية، حوله حشد من الناس، بعضهم يبتسم، وبعضهم يدمع، والجميع يصغي.
يقول أنس: "أعزف لأقاوم، لأقول إننا لا زلنا هنا، وإن الحياة جميلة رغم القبح المحيط"، مؤكدا أن فنه "صرخة في وجه الوجع، ونغمة عنيدة تقول: لن نُكسر".
الأمل كقوة اجتماعية
الدكتور عماد جودة، باحث في علم النفس المجتمعي، يرى أن المجتمعات التي تعاني من أزمات طويلة تطور آليات مقاومة داخلية تمنع الانهيار النفسي.
ويقول: "في غزة، الأمل لا يُنقل بالكلمات فقط، بل يُمارس… في الخبز الذي يُخبز بظل انقطاع الكهرباء، في الدروس تحت الخيام، وفي دعاء الأمهات".
ويضيف: "هذه الروح هي التي تحمي غزة من السقوط الكامل، وتحول الرماد إلى بداية جديدة".
غزّة لا تموت
من زقاق إلى آخر، تتكرّر الحكاية: أم تقاوم، وشاب يُصرّ، وطفل يضحك رغم الجوع، وفكرة تتحوّل إلى مبادرة.
رغم الألم، لا تعرف غزة الاستسلام. تمضي في طريقها مثقلة بالخراب، لكنها تزرع زهورًا على أنقاضها. فهنا، لا يُدفن الأمل… بل يُولد من تحت الركام.
