ببطءٍ شديد يتحرك المسن سليم بين ثنايا خيمته المهترئة؛ كأن الأرض ثقيلة تحت قدميه النحيفتين، فقد نهش الجوع جسده، وسرق ملامحه وبات هيكلٌ عظمي يخشى أن تتكسر عظامه في حال سقط أرضاً، أما زوجته المثقلة بأوجاع زوجها وتحمل مسؤلية أسرتها، لم تعد تعرف ماذا تفعل؟ أو أين تتجه؟.
ويجلس المسن سليم عصفور في خيمة ممزقة غربي مدينة خانيونس، تحت أشعة شمس حارقة، إذ بات الطعام لأسرته أمنية، ورغيف الخبز حلماً، وشربة ماء نظيفة أملا،في ظل حصارٍ إسرائيلي حوَّل قطاع غزة لمكانٍ منكوب ومدمر، حيث تظهر المجاعة بشكل جلي وواضحٍ على وجوه وأجساد الصغار والكبار.
المسن عصفور (85 عاما) نازحٌ من منطقة عبسان شرق خانيونس، ويعيل 6 أبناء، بات جسده شاهداً حياً على المجاعة التي تضرب قطاع غزة، اذ بانت عظام جسده بشكل جلي وتحول لهيكل عظمي، وخلال نحو 5 شهور من الحصار المشددة فقد المسن سليم 30 كيلو جرام من وزنه، إذ كان يزن 70 كيلو أنا يبلغ 40 كيلو فقط.
بصعوبة بالغة تحدث المسن سليم لمراسل "شمس نيوز" عن ظروف قاسية يعيشها وأسرته: "لم أتذوق طعم الخبز منذ 5 أيام، أعيش فقط على تكية العدس، وجميع أسرتي وشعبنا لم يتناولوا طعاما صحيا منذ 5 أشهر".
يحاول سليم بصعوبة البحث في خيمته عن الطعام، ويشير إلى زاوية في أقصى الجانب الأيسر من خيمته -تشبه اثاث المطبخ- "هناك أضع الطعام لكنه فارغٌ من أي طعام أو شراب، سوى من بعض الملح والماء وورق الشاي.
وبصوت يكاد يُسمع قال المسن سليم: "احنا حيوانات ولا كلاب، احنا بشر يا عالم، ألا تشعرون أنا أخوكم المسلم أخوكم العربي، يكفينا إهانة نحن نموت جوعا، لماذا لا ترحمونا لماذا؟؟!".
تسقط الدموع من عيني زوجته، وتشهق الألم والوجع جرعة واحدة وهي توضح: "أحاول مساعدة زوجي بتوفير الطعام، واخماد جوعه، بكاسة ماء باردة مع ورقة شاي بدون سكر".
تتوقف زوجته عن الحديث برهة من الوقت ثم تكمل المعاناة بحرقة وبصوت يملأه الحزن: "كنت سأفقد ابني حسن قبل أيام، ذهب للحصول على كيس من الطحين من مركز توزيع المساعدات في رفح؛ لكنه عاد من موت محقق".
كان يلهث وهو يقول: "الحقيني يا أمي… كنت رح أموت". ركضت والدته نحوه برفقة ابنتها الصغيرة، وهي تعلم أن كل خروج لجلب الطعام قد يكون الأخير.
ونتيجة للمأساة والكارثة الإنسانية التي حلت في خيمة المسن سليم عصفور وجميع خيام النازحين في قطاع غزة استشهد نحو 201 بينهم 98 طفلا بسبب الجوع وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية.
