غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الدبلوماسية غير الرسمية بين السعودية وإسرائيل

معهد بروكينجز

في حدث كبير بواشنطن يوم الخميس 4 يونيو 2015، كشف مسؤول سعودي سابق ومسؤول إسرائيلي عن قيامهما بعقد اجتماعات ثنائية بين الإسرائيليين والسعوديين لمناقشة الأمن الإقليمي، وبالأخص التحدي الذي تمثله إيران.

تشمل الدبلوماسية غير الرسمية على مناقشة تحديات السياسة من قِبل شخصيات غير رسمية، غالبًا ما يكونون أكاديميين وخبراء بحثيين؛ بينما لا تشارك الحكومات، لكنها غالبًا ما تكون على دراية بمحتوى هذه المناقشات وتستفيد من النتائج في دبلوماسيتها الرسمية.

وعلى هذا النحو، كثيرًا ما تستخدم الجهود غير الدبلوماسية في الأوضاع التي تكون فيها البلدان المعنية ليست لها علاقات دبلوماسية رسمية، ويمكن استخدامها أيضًا لاختبار الأفكار وإعداد مقترحات خارج إطار المفاوضات الرسمية، حتى في الوقت الذي تُجرى فيه عملية تفاوض رسمية بالفعل. وفي حقيقة الأمر، كان إعلان اتفاقية أوسلو بين الإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية نتاج عملية دبلوماسية غير رسمية تبناها أكاديميون إسرائيليون، منهم يائير هيرشفيلد ورون بونداك، في الوقت الذي كانت تُجرى فيه المحادثات الرسمية في مدريد.

يوضح مثال أوسلو القيمة الكبيرة للدبلوماسية غير الرسمية: بعيدة عن مرأى ومسمع التغطيات الإعلامية ومتحررة من قيود السياسات والرأي العام، ويمكن للمفاوضين أن يتعاملوا بشكل أوثق في التفاهمات المتبادلة ويستكشفوا أفكارًا مثمرة من أجل سد الثغرات والتوصل إلى اتفاق. لكنّ الدبلوماسية غير الرسمية لها حدود أيضًا، ويجب أخذها في الاعتبار في الوقت الذي نكشف فيه الستار عن المحادثات الإسرائيلية السعودية. تنبع تلك الحدود من حقيقة أنه لكي تكون ناجحًا يجب أن تبرز التفاهمات الاجتماعات غير الرسمية من الظلال وأن تصمد في وجه قوة السياسات المحلية والرأي العام ووسائل الإعلام.

دوري جولد، الشريك الإسرائيلي في المحادثات الأخيرة، على وشك أن يصبح المدير العام في وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ مما يعطيه تأثيرًا مباشرًا على صناعة السياسة الرسمية. لكن، حتى المحادثات الثنائية غير الدبلوماسية ذات المستوى الرفيع لن تحقق كل ما تتمناه. في مرحلة ما، يجب أن تكون نتائج أي رؤى أو تفاهمات المحادثات الثنائية غير الدبلوماسية متكاملة مع السياسة الرسمية للحكومات المعنية؛ ففي الوقت الذي يكون فيه المشاركون في تلك الاجتماعات متحررين من القيود السياسية ولا يخضعون للمساءلة العامة حيال أفكارهم، يعاني صانعو السياسة من هذه الأمور.

ولهذا؛ ليس من المدهش أن العديد من نتائج الاجتماعات غير الدبلوماسية لا يتم تبنيها على أرض الواقع. تم حل مشكلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مرات عديدة خلال اجتماعات ثنائية غير دبلوماسية، وبالأخص فيما يطلق عليها مبادرة جنيف، لكن القادة السياسيين الذين يتوجب عليهم الفوز بالعواقب لم يتبنوا نموذج اتفاق السلام الذي تحققه تلك المبادرات.

ومن الواضح أن الحوار الذي دار بين دوري جولد وأنور عشقي لم يطمح إلى شيء سوى وثيقة مشتركة أو حتى رؤية مشتركة للشؤون الإقليمية. والسؤال إذن: لماذا اختاروا الآن الكشف عن هذا الحوار الذي كان مستمرًا في هدوء لمدة 18 شهرًا؟

بالتأكيد، الفهم الأفضل لوجهة نظر الآخر واهتماماته له قدر كبير من الأهمية في الحالة التي يكون فيها الحوار الرسمي الدبلوماسي مفقودًا منذ فترة طويلة، ولم يتشارك السعوديون والإسرائيليون طاولة دبلوماسية حقيقية منذ الاجتماعات الإقليمية متعددة الأطراف المرتبطة بعملية السلام في مدريد عام 1991، وتوقفت في عام 2000. لكن، لا ينبغي أن نبالغ في جدية المباحثات الإسرائيلية السعودية؛ فمنذ فترة الستينيات، توصل الطرفان إلى وسائل للتواصل، بل والتعاون عند مواجهة تحديات إقليمية مشتركة، آنذاك كان عبد الناصر الرئيس المصري، واليوم أصبح الحرس الثوري الإيراني.

وفي الحقيقة، قد تظهر نتائج تلك الاجتماعات الثنائية غير الدبلوماسية في غير وقتها، من منظور التعاون الإسرائيلي العربي؛ حيث تتبادل إسرائيل الهجمات مع المسلحين في غزة، مما يثير احتمالًا مخيفًا باندلاع حرب أخرى مع غزة وما يلحق بها من تبعات إنسانية مرعبة. لا ترى الحكومات العربية بصيصًا من الأمل بشأن إحراز تقدم دبلوماسي من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثًا، بنيامين نتنياهو، وهذا يطرح تساؤلات مثيرة فيما ينظر له على أنه تطبيع مع إسرائيل.

إذن؛ لماذا تم الإعلان عن هذه المحادثات الثنائية الآن، في الوقت الذي لم تؤت بثمارها، ولم تندرج في سياق إقليمي ملائم؟ في رؤيته للحوار، يركّز المراسل “إيلي ليك” على الإحباط الذي تشعر به القدس والرياض نتيجة الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية، ويشير إلى أن عدم اهتمام أوباما بمخاوف حلفائه قد جمعتهم معًا على سبيل المفارقة من أجل مساعدة ذاتية متبادلة. ليس لدي أي شك في أن هذا جزء من الدافع، ولكن نظرة فاحصة تأتي بكثير من الإجابات.

بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثًا، قد تضيف السياسات المحلية إلى قيمة الكشف عن هذه المباحثات في الوقت الذي تبدأ فيه حكومته اليمينية فترة ولاية جديدة.

وقد أظهر نتنياهو للإسرائيليين أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس شريكًا في السلام، لكنه لا يتحمل تبعات ألّا تكون لديه منهجية للأزمات التي تعصف بإسرائيل. كما أنّ إظهار التواصل الفعال مع الوطن العربي يثير آمال الإسرائيليين لوجود نهاية لعزلتهم الإقليمية، ويضع مزيدًا من الضغط على عباس، من خلال إظهار أن الدول العربية على استعداد للمضي قُدمًا مع إسرائيل بالرغم من مشاعر الإحباط التي يشعر بها تجاه نتنياهو الذي أدار ظهره له في المفاوضات نحو التدابير الاحادية.

وعلى الجانب السعودي، تجدر الإشارة إلى أن الجنرال عشقي كان مستشارًا للأمير بندر بن سلطان، القيادي الاستراتيجي السعودي البارز، لكن الآن، على ما يبدو، أنّه تم تهميشه لصالح ولي العهد الذي تم ترقيته حديثًا، محمد بن نايف. كما كان عشقي أحد مساعدي الملك فيصل، الذي عقد نجله الأمير تركي بن فيصل محادثات مع خبير أمني إسرائيلي، والذي كان نجله الآخر وزير خارجية المملكة لفترة طويلة حتى هذا العام. وبالطبع، تم إعفاء الأمير سعود الفيصل من مهامه بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم واستبدله بشخصية غير ملكية هو عادل الجبير الذي حل محل بندر بن سلطان كسفير للسعودية في واشنطن سابقًا.

تشير هذه الانتماءات إلى احتمالية أنه قد تم الكشف عن هذه المباحثات لأنه لم يعد لها تأثير، على الأقل من الجانب السعودي. ربما قد يبدو التعامل مع إسرائيل أكثر من مجرد مبادرة للنظام السابق، الذي قد تم اقتلاعه من جذوره من خلال سلسلة من السياسات السريعة وتغييرات في الوظائف أجراها الملك الجديد.

وبالتالي، قد لا يكون هناك سبب كافٍ يدعو السعوديين المعنيين بمواصلة الحفاظ على سرية هذه الاجتماعات، وربما بعض الأمل في أن كشف تلك المحادثات قد يزيد الضغط على القيادة الجديدة لاستكشاف بعض الأفكار التي تنتج عن المحادثات الثنائية السرية.

بعيدًا عن أي شيء قد نتعلمه من هذه المحادثات وكشفها، من الواضح أن مخاوف الحلفاء في الشرق الأوسط تجاه إيران وإحباطهم من سياسة واشنطن تجاه إيران تزداد إلى حد كبير بالرغم من الجهود التي يبذلها البيت الأبيض لسد الثغرات.

ويأتي الإفصاح عن هذه المحادثات، وخاصة في حدث بواشنطن، ضمن أمور أخرى من الوسائل لدى السعودية وإسرائيل للتأكيد على البيت الأبيض بأن لديهما بدائل في المنطقة بعيدًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة.