يجلس الشاب أحمد الهواري بحالة من الرعب والخوف الشديد وراء جدار أسمنتي مدمر في أحد البركسات بحي الزيتون، يُشاهد ألسنة النيران المشتعلة أمامه وهي تلتهم الأخضر واليابس دون أن يحرك ساكنًا أو يفر هربًا من شدتها، وكادت أذنيه أن تنفجر من صوت القنابل الشديدة التي تلقيها طائرات الاحتلال الإسرائيلي أو انفجار العربات المفخخة في حي الزيتون جنوب مدينة غزة.
أحمد الهواري (31 عامًا) حُوصر في حيَّ الزيتون جنوب مدينة غزة في وقتِ توغلت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الحيَّ لعدة أسابيع، إذ دمرت أجزاءً كبيرة من مباني الحيَّ وشوارعه، ليمكث الهواري وحيدًا وسط أهوال الحرب مدة (23 يومًا) خلف جدار أسمنتي ينتظر لحظة استشهاده أو اعتقاله من قبل جنود الاحتلال.
بدأت حكاية أحمد في ساعة مبكرة يوم السبت (16-8-2025) عندما ضاقت به الظروف المعيشية، إذ حاول التسلل لمنزله داخل حيَّ الزيتون علَّه يجلب بعض الملابس والطعام والشراب لعائلته التي باتت ليلتها في الشوارع، وعندما تحركت قدماه صوب منزله أطلقت دبابات الاحتلال نيرانها الثقلة صوب كل شخص يتحرك في المكان.
لم تكن رصاصات الدبابات وحدها في المكان، إنما امتلأت الأجواء بطائرات "كواد كابتر" والطرقات حوصرت بالعربات المتفجرة من كل الاتجاهات، هنا اضطر أحمد للجوء إلى بركس مدمر للاحتماء به يقول لمراسل "شمس نيوز": "ذهبت للمنزل من أجل الحصول على بعض الأغراض الضرورية؛ لكن بسبب رصاصات كواد كابتر حوصرت ولجأت لبركس قريب من المنزل".
حاول أحمد الاحتماء من الرصاص والشظايا المتطايرة هنا وهناك؛ لكن قوة الانفجارات تسببت بسقوط بعض الركام على جسده ما أدى لإصابته بجروح عميقة في كتفه الأيسر، يُشير بصوت خافت إلى أنه مزق ملابسه وربط جرحه ليمنع استمرار النزيف والحفاظ على دمائه.
مرت ساعة وساعتين وبدأت خيوط الشمس تذبل وتعلن عن ليلة موحشة، يضيف الهواري لمراسبنا: "عندما بدأ الليل شعرت بالخوف الكبير واتصلت مباشرة على الدفاع المدني الذي أبلغني بالحفاظ على الهدوء وعدما اصدار أي صوت والحفاظ قدر المستطاع على ما هو متوفر من ماء وطعام داخل المكان"، يحاول الدفاع المدني من خلال تلك الرسالة تهدئة أحمد الذي تعرض لحصار في منطقة خطيرة جدًا ويمنع الوصول لها دون تنسيق مسبق بين المنظمات الدولية وقوات الاحتلال.
بحث أحمد داخل المكان بهدوء حتى وجد 20 لتر من المياه المالحة التي لا تصلح للشرب وبعض المعلبات، تناول أحمد القليل من الطعام وهو يقول: "بدأ الليل وبدأت أهوال يوم القيامة، دوت الانفجارات بشكل مكثف وسمعت صوت المجنزرات تقترب مني، يرافقها صوت الكلاب وهي تنهش بجثث الشهداء"، هذا من أكثر الأشياء رعب عاشها أحمد.
لم يخشَ أحمد جنود الاحتلال أو الرصاص أو الانفجارات مطلقًا، يقول: "في النهاية لو وصل الجنود سيقتلوني برصاصة أو يعتقلوني، ولو أصابتني موجة انفجار العربات المتفجرة سأستشهد فورًا، لكن كنت أخشى أنياب الكلاب البوليسية من أن تنهش جسدي كما تنهش جثث الشهداء في شوارع حي الزيتون".
مكث أحمد في هذا الجحيم نحو (23 يومًا) لم يعرف فيها المواقيت ولم يرَ ضوء الشمس، ولم يدرك كم من الوقت مر عليه محاصرًا وسط حرب مدمرة وقودها المدنيين والحجارة، يقول: "كل ثانية كانت تمر كأنها سنة، وبعد نجاتي من هذا الموت المؤلم ولدتُ من جديد، عمري الآن 23 يوم وليس 31 عامًا".
وفي نهار يوم جديد تفاجأ أحمد بصوت لم يعهده منذ حصاره، صوت أحدهم ينادي: "يا الله شو هالدمار، والخراب، كل هذا فعلت الدبابات والعربات المتفجرة!"، جحظ أحمد عينيه وأزال بعض الركام الذي التصق بجسده، وبصعوبة كبيرة سار أحمد على قدميه بخطوات مثقلة خارج البركس، كان مشهده مرعبًا، شعره ولحيته طويلة.
شبهه الصحفيون الذين التقوا معه لحظة خروجه المفاجئ من داخل البركس برجل من "أهل الكهف" نظرًا لمظهره المرعب، يقول: "23 يوم داخل البركس كانت بمثابة 23 سنة واليوم ولدت من جديد"، وعن أكثر الأشياء التي كان يتذكرها الهواري لحظة حصاره: "كنت أتذكر أهلي على الدوام وكنت أتمنى أن أعود إليهم سالمًا غانمًا لأساعدهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة".
واعتقد الشاب الهواري أن الحصار الإسرائيلي أصعب أيام الحرب الذي عاشها منذ السابع من أكتوبر 2023، يقول: "كنت اتوقع اعتقالي أو استشهادي، ولم أتوقع نجاتي من أهوال الحرب"، وتمنى الهواري انتهاء حرب الابادة بأسرع وقت لينعم أهلنا في قطاع غزة بالأمن والسلام.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
