ترسخ إسرائيل على الأرض ما بات يُعرف بـ”الخط الأصفر”، وهي لم تعد تتعامل معه كونه خطًا يحدد خطوط انسحاب مؤقتة، إنما خطًا يحدد كيانًا آخر في غزة.
وفقًا للخطة الأمريكية، فإن “الخط الأصفر” يحدد مناطق التواجد الإسرائيلي في المرحلة الأولى، لكن إسرائيل التي قبلت الخطة الأمريكية على مضض، رغم ما فيها من سوء للفلسطينيين، تسعى لاستغلال تأخر بدء المرحلة الثانية لفرض واقع جديد على الأرض.
الواقع الجديد تحاول إسرائيل فرضه بهدوء، وبضوء أخضر أمريكي تأخذه بكثير من التحايل والدهاء. فعند اليوم الأول من الانسحاب إلى هذا الخط، لم يكن الجيش يفعل شيئًا هناك، بل لم يكن موجودًا على كل الأرض الواقعة خلف هذا الخط، حتى إن صحفًا عبرية انتقدت ذلك واتهمت الجيش بالاستهتار.
اليوم الأمر مختلف، وكأن حكومة نتنياهو انتهت من إعداد الخطة وبدأت تنفيذها على الأرض. اليوم هناك خط أصفر فعلي رُسم بمكعبات إسمنتية وشارات عسكرية، والأهم أن هناك فرقًا تعمل خلف هذا الخط وتمسح كل ما هو هناك من مبانٍ ومنشآت، وتكرر مشهد رفح على طول الخط الأصفر.
هذا لم يكن عشوائيًا، فإسرائيل استغلت مقتل جندي في رفح قبل عدة أيام – وفق زعمها – للتحايل على الأمريكيين إلى أن أخذت ضوءًا أخضر بالعمل خلف الخط الأصفر ضد “أهداف لحماس”. وهذا ما أصبحنا نلمسه في غزة، ونحن نكاد لا ننام الليل من أصوات عمليات النسف الشديدة للمنازل الواقعة خلف الخط.
لذا يمكن القول إن إسرائيل باتت تتحايل لإدخال تعديلات على الخطة الأمريكية، وربما نجحت أيضًا من تحت الطاولة، فالواقع يقول إن كيانًا جديدًا بات يُرسم داخل غزة، وتحديدًا إلى الشرق من الخط الأصفر.
تذكرون “المدينة الإنسانية” في رفح؟ كانت فكرة إسرائيلية لحصر السكان. اليوم هذه الفكرة تطورت إلى “غزة الجديدة”، وهي بمساحة 53% من مساحة القطاع، وكما بات واضحًا فإن إسرائيل تريد إقامة شريط أمني على شكل مدينة “خالية من حماس”، تكون هي الفاصل بين غزة والداخل المحتل، تحت ذريعة ألا تشكل غزة تهديدًا لإسرائيل.
لم تَرِد بعدُ تفاصيل حول “غزة الجديدة”، لكن باعتقادي أن إسرائيل تعمل على التالي:
• إطالة المرحلة الأولى عبر استغلال ورقة الجثامين، وذلك للحفاظ على الوضع الراهن.
• ترسيخ “الخط الأصفر” كحدود تفصل قطاع غزة، وقد بدأ ذلك بمكعبات إسمنتية، وسيتطور مستقبلًا إلى سياج بدعوى منع التسلل.
• تدمير كل ما تبقى من منازل ومنشآت شرق الخط الأصفر، وتسوية الأرض لبناء “غزة الجديدة” بدعوى تدمير البنية التحتية لحماس.
• تتطلع إسرائيل إلى أن تتسلم القوات الدولية هذه المنطقة وتبقيها مفصولة عن باقي القطاع، لتصبح منطقة تُدار من جهة ترغب بها إسرائيل.
• تخطط إسرائيل وتحاول إقناع الأمريكيين بافتتاح 20 مركزًا لتوزيع المساعدات الأمريكية شرق الخط الأصفر، وهذا له هدف وهو نقل السكان إلى هذه المناطق بعد فرزهم والتأكد من عدم ارتباطهم بحماس.
• تطمح إسرائيل إلى حصر الإعمار في هذه المناطق، وهذا ليس جديدًا، فقد صدرت تصريحات حول ذلك حين قيل إن ترامب يفكر بالإعمار في مناطق غير خاضعة لحماس، أي إن إسرائيل تريد بناء مدينة كاملة تفصلها عن غزة التي نعرفها.
وبجانب ذلك، وحتى تنجح، فهي لا تريد الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تفتح عليها بوابة أزمة “اليوم التالي”، ولا تريد إنهاء أزمة الجثامين، ولو أرادت لأدخلت المعدات اللازمة لاستخراجهم. وربما لاحقًا سنكتشف أنها لا تريد سلاح حماس كي يبقى ذريعة لها لتنفيذ المخطط.
خلف “الخط الأصفر” مخطط إسرائيلي بات يُنفذ بهدوء، ولن يتوقف إلا إذا استيقظ الفلسطيني من نَومِه وخرج العربي من حالة السبات العميق.
هل تسمعون؟
