على سرير في إحدى أقسام مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يقضي الشاب "بلال" أيامه بين الألم والانتظار، متكئاً على جهاز تثبيت خارجي يلف ركبته المصابة، ويُقيد حركته، ويذكِّرُه في كل لحظة بأن رصاصة واحدة كانت كفيلة بأن تُغير مسار حياته، وتضعه في مواجهة مسؤوليات أثقل من عمره.
"بلال عامر"، شابٌ في السابعة عشرة من عمره، وجد نفسه فجأة محاصراً بعجزٍ مبكر، جراء إصابته برصاصة متفجرة خلال حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م.
الحكاية المؤلمة بدأت يوم 18 سبتمبر 2025م، حين تعرض "عامر" لإصابته الأولى، إذ اخترقت رصاصة متفجرة ركبته، لتتركه بإصابة معقدة استدعت تركيب جهازEx Fix مع بلاتين.
يقول لمراسل "شمس نيوز"، بعد أن عَدَّلَ جلسته، وهو يحاول ضبط نبرة صوته رغم الألم: "إن هذا الجهاز لا يحتمل برد الشتاء ولا حر الصيف، ويُقيد الحركة بشكلٍ كبير، فضلاً عن التهابات حادة في أماكن التثبيت، وشعور دائم بحرقان غير طبيعي، جعل الألم رفيقاً يومياً لا يفارقه".
ولا تتوقف المعاناة عند حدود الإصابة الجسدية، فقلة النوم وغياب الراحة باتا جزءاً من يومه، حتى أصبح التعايش مع الألم واقعاً مفروضاً.
وتتضاعف المأساة حين يذكر بلال والده، الذي أُصيب في قصفٍ استهدف مدرسة الفاخورة في 18 نوفمبر 2023، حيث تضرر العصب في قدمه بشكلٍ أفقده القدرة على الحركة الطبيعية، إضافة إلى إصابته بشظية في عينه، إصابةٌ قلبت حياة الأب رأساً على عقب، وأنهت قدرته على العمل؛ لتترك الأسرة المكونة من 9 أفراد بلا سند، ويحمل "بلال" المسؤولية عن إطعامهم وتوفير قوت يومهم، كونه أضحى المعيل الوحيد لهم.
ورغم إصابته، لا يزال يحاول تحمل الألم وإغاثة عائلته، لكنَّ تَأَخُّرَ العلاج يزيد من خطورة وضعه الصحي، خاصة مع وجود التهاب في العظم وفراغ داخله، وهو ما قد يقوده -إن تفاقم- إلى مراحل بالغة الخطورة.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
وفي ظل المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة، تتفاقم آلام بلال بشكلٍ أشد، إذ يتحول البرد القارس إلى عبءٍ إضافي على جسده المنهك، فيزيد من حدة الالتهابات في مواضع التثبيت، ويضاعف شعور الحرقان والتيبس في ركبته المصابة.
ومع غياب وسائل التدفئة الملائمة داخل أقسام المستشفيات، وضعف المنظومة الصحية التي تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهدافها منذ بداية حرب الإبادة، يجد "عامر" نفسه في مواجهة قاسية مع الطقس، حيث يصبح الليل أطول، والألم أثقل، وتغدو كل موجة برد ومنخفض اختباراً جديداً لقدرة جسده على الصمود.
وعلى الرغم من حصوله على تحويلة طبية، إلا أنه لم يسمح له بالسفر للعلاج بالخارج حتى اللحظة.
ويناشد "عامر" العالم والمؤسسات الدولية ومنظمة الصحة العالمية، بالسماح له بالعلاج، مبيِّناً أن الواقع الصحي يسير بعكس المنطق؛ فالمريض الذي يفترض أن يتحسن داخل المستشفى، قد يخرج منه جثماناً أو بحالةٍ أسوأ، بسبب نقص العلاج وضعف الخدمات الطبية، وغياب أبسط المستلزمات.
