شمس نيوز/عبدالله مغاري
تصوير/حسن الجدي
للعام الثاني على التوالي، يقضي الآلاف من أصحاب المنازل المدمرة شهر رمضان المبارك ,بعيدا عن بيوتٍهم التي عانقت جدرانها ذكريات طفولتهم, فيمضي جزء منهم هذا الشهر في مراكز الإيواء والبيوت المستأجرة, والجزء الآخر في "كرفانات الموت" كما أطلق عليها ساكنوها.
كرفانات الموت.. لم يطلق هذا المسمى عليها من فراغ، فهي لا تقي من حر صيف, ولا من برد شتاء, ولا طعم للحياة بداخلها. حتى في شهر الخير لم يشعر ساكنوها سوى بازدياد المعاناة, فكيف لصائم قضاء يومه محاطا بألواح من الصفيح تضخ الحرارة على قاطنيها.
معاناة جعلت للمقارنات الزمنية مكانا بين أزقة الكرفانات, فاليوم نحو مائة عائلة ممن يسكنوها يقارنون حاضرهم بماضيهم, ليخرجوا بالقول: إن قضاء يوم تحت نيران قد تودي بحياتنا كما في رمضان الماضي, أفضل بكثير من الموت البطيء داخل كرفانات في رمضان الجاري.
الماضي أفضل
لم تتوانَ الحاجّة "روجية النجار" من المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس، والتي تسكن أحد الكرفانات، هي وعائلتها المكونة من عشرة أفراد, عن مقارنة شهر رمضان لهذا العام بأشهر رمضان في الأعوام الماضية, لتقول في حديثها لمراسل "شمس نيوز ": قضينا رمضان الماضي في مراكز الإيواء وكنا مُهجرين من بيوتنا بسبب الحرب، كانت أوضاعنا صعبة، وفي رمضان هذا العام أيضا أوضاعنا أسوأ, الصيام صعب في هذا الجو الحار، خاصة أننا نسكن في كرفانات من الصفيح تضخ علينا الحر وتزيده".
وبالرغم من صعوبة أيام شهر رمضان الماضي بسبب بشاعة الحرب وهمجيتها، إلا أن الحاجة "النجار" ترى أن الأيام التي قضتها خلاله أفضل من أيام رمضان الحالي, كون العيش في الكرفان وقضاء الصيف الحار نوعا من أنواع الموت البطيء، بحسب قولها .
وتستذكر "النجار" الأيام الرمضانية التي كانت تقضيها وعائلتها في منزلها قبل تدميره في العدوان الإسرائيلي الأخير لتقول: دائما أتذكر تلك الأيام التي كنا نقضيها في منزلنا قبل تدميره ,كانت أياما جميلة ومريحة نفسيا، كنا نجتمع ونتناول الإفطار ويعم السرور علينا".
صعب جدا
ويشتكي المواطن "أحمد أبو ريده"، من بلدة خزاعة شرق خان يونس، من سوء الأوضاع التي يعيشها هو وجيرانه الذين يسكنون الكرفانات, نتيجة الحر الشديد وسوء الخدمات وضيق المساحة وفقدانهم لجمال ومعالم الأجواء الرمضانية المعتادة.
ويقول أبو ريده لـ"شمس نيوز": الواقع أن شهر رمضان هذا العام صعب جدا، الصيام في هذا الجو متعب للمسنين والأطفال, والكرفانات حرارتها مرتفعة لا يمكن لأي شخص احتمال النوم فيها, الحالة صعبة وخانقة جدا".
ويردف بالقول: حتى إننا لم نشعر بالأجواء الرمضانية، الحزن يعم سكان المنطقة، الجميع يحمل هموما وشقاء، ويفكر في أسرته ويبحث عن سبل الراحة لها, ومنا من يفتقد عائلته المشتتة".
ويفترش سكان هذه المخيمات الأرض خارج كرفاناتهم هربا من حرها ,خاصة أن هذه الكرفانات عبارة عن ألواح من الصفيح ,التي بطبيعتها تزيد من شدة الحر وتمتص أشعة الشمس ,ما يجعل الجلوس فيها أمرا في غاية الصعوبة.
ويتمنى المواطن أبو ريده وجيرانه العودة إلى بيوتهم المدمرة في أقرب وقت, وقضاء عيد الفطر المبارك فيها, داعيا المسئولين والجهات المعنية إلى العمل على إنهاء معاناتهم وإعادة إعمار منازلهم ومصادر رزقهم.
تكافل اجتماعي
وفي مشهد يعكس ثقافة التعاون والتكافل المولودة مع سكان قطاع غزة, يتبادل قاطنو الكرفانات الطعام والشراب فيما بينهم, و يجتمع العديد من الشبان حول مائدة إفطار واحدة أقيمت في منتصف تجمع الكرفانات شرق خان يونس, بالإضافة إلى أنهم يتبادلون الزيارات الاجتماعية في شهر رمضان .
المواطن "محمد ابو مطلق" يتحدث عن زيادة التكافل الاجتماعي بين سكان التجمع، ليقول: بعدما سكنا هنا، زاد التكافل بيننا، خاصة في شهر رمضان, تجد أن النساء يقمن بتبادل الطعام ونعيش هنا كالأسرة الواحدة جميعا لا فرق بيننا".
ويضيف: غالبا ما يقوم الشباب بتنظيم إفطار جماعي، بحيث يجتمع معظم الشبان حول مائدة الإفطار التي نقيمها في منتصف التجمع ونصلي جماعة كافة الصلوات تقريبا".
وبالرغم من ضيق المساحة وعدم اتساع الكرفانات سوى لخمسة أشخاص, يتبادل سكان هذه المخيمات الزيارات الاجتماعية، ويصلون أرحامهم في شهر رمضان المبارك, ويستقبلون زوراهم إما في خيام أقاموها على أبواب البيوت, أو على الأبواب نفسها وفي الهواء الطلق.
وتقيم نحو مائة عائلة فلسطينية من المدمرة بيوتهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في كرفانات من الصفيح , وجدت ضمن مشاريع لتسكين العائلات المشردة في قطاع غزة, وتتركز معظم مخيمات التسكين المؤقتة في بلدة خزاعة المنكوبة شرق محافظة خانيونس جنوب القطاع .
فيما يعيش سكان هذه الكرفانات أسوأ الأوضاع المعيشية بسبب حرارتها المرتفعة وضيق مساحتها, بانتظار البدء في عملية إعادة الإعمار التي باتت وبشكل واضح مرتبطة بالأوضاع السياسية والخلافات بين طرفي الانقسام الفلسطيني .