تقرير: صحيفة لوموند الفرنسية
يبدو “شماي غليك” غير هجومي: نحيف وبعينين صغيرتين خلف نظارات ولا يتوقّف عن الكلام. يبلغ من العمر 27 عامًا، وحياته مربوطة بإحكام جيدًا؛ حيث إنّ إيمانه لا يقبل الشكّ. يحمل حقيبة مليئة بمقالات عن مآثره، بالإضافة إلى وثائق عن أهدافها؛ من أجل توضيح أفضل -خلال حوارنا- لخطورة انجرافهم المفترض.
يميل الناشط إلى اليمين، إلى أقصى اليمين؛ فهو متدين وقومي، قومي للغاية، وحدّد مهمته: طرد المنظمات والعروض الثقافية الّتي تسمّى “المعادية لإسرائيل”. وخلال بضعة أشهر، أصبح مراقبًا هائلًا بفضل أصدقائه الـ 3 آلاف على فيس بوك؛ حيث يضايق المسؤولين المحليين والوطنيين للتنديد بالفنانين الّذين يتّهمهم بالتغاضي عن الإرهاب أو التشهير ضدّ الجيش، العمود الفقري لـ “إسرائيل”: “أمثّل جيلًا جديدًا مؤمنًا يقول: هذا وطني وجيشي. نقبل الانتقادات، ولكن يجب أن تكون محقّة. ولكن، هناك مجموعة صغيرة من الفنانين الإسرائيليين الّذين سيطروا على الثقافة ويعتقدون أنّهم الأفضل. نحن في حرب أيديولوجية. نحن نكرههم ولكننا لن نقتلهم، سنواجههم“.
يمتلك المختصّ في الإعلام، والقاطن في المدينة الجديدة “بيت شيمش” قرب القدس، هاتفًا ثمينًا؛ إذ توجد عليه أرقام نصف أعضاء الحكومة، وخاصّة المحافظين منهم، ومن بينهم وزيرة العدل إيلات شاكيد الّتي تعمل على قانون يسحر شماي غليك باعتبار أنه يقطع التمويل العمومي على المنظمات غير الحكومية المنتقدة للسلطات، مثل Breaking the Silence (كسر الصمت) الّتي تشمل مقاتلين قدامى، أو منظمة “بتسيلم” الّتي تعنى بانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة. ويؤكّد غليك: “(بتسيلم) منظمةٌ معاديةٌ لإسرائيل؛ إذ تعتبر إرهابيي حماس مناضلين من أجل الحرية؛ فهل تعرفون ما الفرق بين الجيش الإسرائيلي وحماس؟ عندما نقتل طفلًا نأسف لذلك، في حين أنهم يحتفلون بهذا“.
الإعلان عن الحرب الأيديولوجية
يلوم الناشط منظمة “بتسيلم” على تقديم فيديوهات تشير إلى أعمال عنف ارتكبها الجنود بحقّ الفلسطينيين إلى الراقص الإسرائيلي أركادي زيدس؛ حيث أثار عرضه “أرشيف” الّذي مزج فيه بين الفيديو والرقص غضب المستوطنين والأوساط القومية المتطرّفة، وقد طلبت وزارة الثقافة من الفنان سحب شعاره من الملصق لتصبح الوزيرة ميري ريغيف تجسيدًا لانتقام القوميين من النخبة الفنية اليسارية في تلّ أبيب، حيث قطعت تمويل مسرح الميدان في حيفا الّذي صوّر حياة “إرهابي”، وهدّدت مهرجان الفيلم في القدس بعقوبة مشابهة إذا ما نشرت وثائقيًا عن اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين.
منذ ثلاثة أشهر، أعلنت الثقافة والمنظمات غير الحكومية الحرب الأيديولوجية. وعند سؤال شماي غليك الّذي يمتلك الشرعية لفرض الرقابة عن هذا الموضوع، ابتسم، وقال: “لا نريد إغلاق أي مكان فيه أيّ أحد، ولكننا نتحقّق ممّا يقوله. منذ 30 عامًا تتواجد (إسرائيل) يمينًا والناس يصوّتون للأشخاص من أجل أن يتّخذوا قرارات“. وينشط أيضًا من أجل ألّا تسمح الدولة للشباب بالقيام بخدمتهم المدنية في هذه المنظمات غير الحكومية الّتي يعتبرها طابورًا خامسًا، مضيفًا: “يوم أن تختفي هذه البلاد كلّ يوم. وأنا الوحيد الّذي أفهم أنّ فيديو يمكن أن يكون سلاحًا أكثر تدميرًا من بندقية محارب“.
شماي غليك، ابن أخ يهودا غليك، أحد الوجوه الشهيرة لليمين القومي المتطرّف، الّذي يسيطر عليه هاجس حقّ صلاة اليهود في “جبل الهيكل” (الحرم القدسي الشرقي) في انتظار تشييد المعبد الثالث في القدس. وقد كان يهودا غليك ضحية محاولة اغتيال من قبل فلسطيني في أكتوبر 2014. ويقول شماي غليك: “البعض يتّخذون من أوباما وجيسن بيبر مثلًا أعلى، أمّا أنا فعمّي هو مثلي الأعلى“. وقد ولد الشاب في القدس؛ حيث أتى جدّه -الطبيب المرموق- من الولايات المتّحدة في عام 1976. والصهيونية المسيحانية حجر الزاوية في العائلة.
عند سؤال شماي غليك عن قيام الدولة الفلسطينية ردّ: “هذا مستحيل اليوم. لا يمكننا أن نثق فيهم؛ إذ إنّ 10% منهم فيهم خطورة ويسيطرون على الآخرين. يكمن الحلّ من وجهة نظري في السلام. يجب منحهم الحكم الذاتي وفرص العمل والمال، ويجب أن يُبنى لهم مركز تجاري في بيت لحم، ومستشفيات؛ حتّى لا يضطرّوا إلى العلاج في القدس. يجب انتهاج سياسة العصا والجزرة“.