تل أبيب تخشى إحراج القاهرة لو تدخلت عسكريًا للرد على صواريخ سيناء وتفضل “ضبط النفس” ما دامت الصواريخ لا تتسبب تأثيرًا بالغًا
قال تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن هجوم سيناء الأخير الذي نفذه تنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش، وإن فشل في تحقيق كل أهدافه؛ إلا أنه يشكك في “قدرة حكم الجنرالات على الصمود”.
وقال المحلل السياسي للصحيفة “عاموس هرئيل”، في تقرير نشره الثلاثاء 7 يوليو الجاري بعنوان “كيف يختلف تهديد داعش لإسرائيل من الشمال (سوريا) عنه في الجنوب (مصر)؟“، إن هجوم سيناء الأخير كان “مفاجأة مطلقة”؛ بسبب ما أثاره من اهتمام دولي بعد أيام قليلة من اغتيال المدعي العام في مصر، وهجومي تونس والكويت، مشيرًا إلى: “نجاح التنظيم في زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في مصر أكثر، وفي طرح تساؤلات بشأن قدرة حكم الجنرالات على الصمود”.
صورة الوضع غير واضحة
“هآرتس” قالت إنه بعد مرور ستة أيام على الهجوم الإرهابي لداعش في سيناء لا تزال صورة الوضع غير واضحة تمامًا، صحيح أن التنظيم لم ينجح في السيطرة على بلدة الشيخ زويد لمدة طويلة كما كان قد خطط له، وأن عدد الخسائر التي أوقعها في صفوف قوات الأمن المصرية أقل مما قيل في البداية؛ لكن “ولاية سيناء” استطاعت أن تشن هجومًا واسعًا ومنسقًا ضد عدد كبير من الأهداف.
وأضافت أنه: “بالاستناد إلى البيانات الرسمية للسلطات المصرية؛ فقد قتل في الهجوم 23 عنصرًا من قوات الأمن المصرية، بينهم ستة قضوا في الأيام التي تلت المعركة، كما أعلنت القاهرة أنه جرى طرد المتشددين الإسلاميين من منطقة الشيخ زويد، ويستمر صدور البيانات التي تتحدث عن مقتل عشرات المسلحين يوميًا“.
ولكن المحلل الصهيوني “عاموس هرئيل” شكك فيما أُعلن، قائلًا: “من المحتمل أن تكون التقارير التي صدرت فور وقوع الهجوم والتي تحدث أحدها عن مقتل 64 جنديًا وشرطيًا مصريًا مبالغًا فيها، وهي تعود بصورة جزئية إلى أن بعض الإرهابيين كان يرتدي ثياب الجيش المصري خلال الهجوم، لكن على الرغم من ذلك؛ فليس من المستبعد أن تكون الأرقام الرسمية غير دقيقة تمامًا“.
وشدد على أن “ثمة مصلحة واضحة للقاهرة في الإيحاء بأن الأمور تحت السيطرة، وتجلى ذلك في الزيارة السريعة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سيناء وإعلانه نية النظام مواصلة الحرب بلا هوادة ضد التنظيمات الإرهابية“.
خطر “داعش” على إسرائيل
ويقارن التقرير الإسرائيلي بين التهديد الذي تشكله داعش سيناء على (جنوب إسرائيل) وداعش سوريا (على الشمال)، قائلًا إنه في نهاية الأسبوع أطلق مقاتلو “داعش” في سيناء ثلاثة صواريخ سقطت في أراضٍ مفتوحة في النقب الجنوبي، وإن يد إسرائيل مغلولة عن التحرك في مصر لعدم إحراج نظام السيسي، بعكس تدخلها في سوريا.
ويقول: “صحيح أن إسرائيل ليست الهدف الأساسي للتنظيمات الإرهابية في سيناء، لكن إطلاق الصواريخ، إضافة إلى الهجوم المفاجئ ضد قوات الأمن المصرية على مسافة قصيرة نسبيًا من الحدود الإسرائيلية، ذكّرنا بالخطر المحتمل (على الدولة الإسرائيلية) من ناحية شبه جزيرة سيناء”.
وربط بين عناصر “داعش” في سيناء وتنظيم القاعدة، وقال إنهم قاموا بسلسلة هجمات على أراضي إسرائيل (بينها الهجوم في عين نتفيم في صيف 2011، ومحاولة جريئة في منطقة كفر سالم قبل نحو سنة)، إلى جانب عشرات حوادث إطلاق النار التي كان بعضها موجهًا ضد منطقة إيلات.
وأضاف: “على افتراض أن مصر وإسرائيل لم تكونا على علم مسبق بالهجوم الإرهابي في الأسبوع الماضي؛ فإن هذا دليل على ثغرة استخباراتية“، مؤكدًا أن إسرائيل لا تزال تفتقر إلى معلومات عن التنظيمات السلفية، وهي عدو جديد نسبيًا بالمقارنة مع “حماس” وحزب الله، أو عن الجيش السوري الذي جمعت معلومات عنه طوال سنوات عديدة.
وقال: “يختلف خطر داعش على الحدود المصرية عن الظروف على حدود سوريا؛ ففي الشمال ليس هناك تقريبًا وجود لداعش في منطقة الحدود التي تسيطر عليها تنظيمات المتمردين السنة الأكثر اعتدالًا. وفي المقابل، لم يبق للسلطة المركزية في سوريا أي سيطرة على منطقة الحدود مع إسرائيل، وبالتالي لم تعد لديها أي حافز لطرد المتمردين من هناك. أما في الجنوب، فإن وضع الحكم المصري أقوى بكثير، لكن عناصر داعش أكثر قربًا من حدود إسرائيل، والحملة المصرية ضدهم برغم التصريحات الصارمة لم تنته بالحسم”.
وتقول “هآرتس” إنه بالمقارنة مع الوضع في الشمال؛ فإن حرية تحرك إسرائيل في الجنوب ردًا على هجوم ضدها، محدودة للغاية؛ فمصر اليوم حليفة مهمة جدًا لإسرائيل في المنطقة. وإذا ردت إسرائيل على إطلاق “داعش” صواريخ من سيناء؛ فإن هذا سيشكل خرقًا للسيادة المصرية. لذا؛ وعلى الأقل، ما دامت الصواريخ لا تتسبب بإصابات، فإن إسرائيل تفضل ضبط النفس.
قلق صهيوني من الجبهة المصرية
ويقول التقرير الإسرائيلي إن الأحداث الأخيرة في سيناء “أثبتت مدى تعقيد الوضع في الجبهة الجنوبية التي ينشط فيها لاعبون كثر لديهم أهداف متضاربة بعضها خفي عن الأنظار“، مشيرة إلى أن المعادلة تشمل أربعة مجاهيل: ففي سيناء، يطلق “داعش” النار وإسرائيل تلتزم الهدوء؛ كي لا تدخل في نزاع مع مصر. وفي غزة تنظيمات سلفية بعضها مرتبط بصورة غير مباشرة بداعش، تطلق الصواريخ من فترة إلى أخرى على إسرائيل.
وكشف التقرير عن سعي الدولة الإسرائيلية للإيقاع بين حماس والقاهرة على خلفية هجمات داعش سيناء؛ أملًا في مزيد من الضغط المصري على حماس؛ حيث قال إن إسرائيل تحمّل “حماس” التي تسيطر على القطاع مسؤولية القصف، لكنها ترد بصورة محدودة جدًا انطلاقًا من فكرة أن “حماس” ليست معنية في الوقت الراهن بمواجهة مباشرة معها، ومن الأفضل حثها على كبح جماح الفصائل الأكثر تشددًا. و”لكن في الوقت عينه، تتهم إسرائيل حماس بمساعدة داعش في سيناء، وتنشر معلومات استخباراتية عن العلاقات الجيدة بين التنظيمين؛ الأمر الذي يبدو محاولة لتشويه سمعة حماس إزاء مصر”، بحسب هآرتس.
ويجيب المحلل السياسي هرئيل عن سؤاله “ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه من وراء ذلك؟”، بأنه “ثمة شك في أن تكون حكومة نتنياهو، التي اكتوت بحرب غزة التي نشبت قبل سنة، معنية فعلًا بإشعال حرب بين مصر وحماس على خلفية هجوم داعش الإرهابي في سيناء. لذا؛ لا بد أن تكون هناك أهداف أخرى للخطوة الإسرائيلية“.
وأضاف: “ومن المحتمل أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع يعتقدان أن ضغطًا مصريًا إضافيًا سيعيد حماس إلى الخط المستقيم وسيكبح أيضًا إطلاق الصواريخ العشوائي من القطاع على إسرائيل. كما أنه من المحتمل أن المعلومات التي نشرت جاءت على خلفية الانقسام العميق والمتزايد بين الذارع العسكرية والذراع السياسية في حماس“.
ويزعم أنه منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة العام الماضي، يرفض قائد كتائب القسام (محمد ضيف) وأتباعه الالتزام بأوامر إسماعيل هنية وكبار مسؤولي المستوى السياسي. لذا؛ من المحتمل أن تكون “الادعاءات الإسرائيلية” محاولة لتشجيع هنية على التحرك.