شمس نيوز /عبدالله مغاري
لم يخطئ يوما من أجلسها على منصبها السيادي بعد ثلاثة سلطات رئيسية, لتكون هي الرابعة والمالكة لكافة الصلاحيات, التي تجعلها تلعب دور المحقق والمحاسب والمراقب، وتقف بجانب الجمهور فتدعمه وتدافع عن قضاياه وتوصل صوته إلى الجالسين في أعلى الهرم .
هي "الصحافة".. جسر المواطن على حفرة النار, و الوسيلة الأجدر والأنسب لمساندة الجمهور في طريق الوصول إلى المجتمع المثالي, فيصبح الجمهور بمثابة الشيء الثمين الذي إذا فقد وصلت السلطة الرابعة إلى مرحلة الهلاك.
فكيف حال "صاحبة الجلالة" في أكثر المجتمعات صراعا مع البقاء كالمجتمع الفلسطيني؟ هل لا زالت خزينة الصحافة الفلسطينية مليئة بالثمين؟ وهل لا زال الإعلام المحلي ينعم بثقة المواطن؟ أم أن الصراع السياسي وتقييد الحريات الإعلامية وكل أشكال الأزمات جعلت الإعلام الفلسطيني منزوع الثقة؟
باتت أقل
الشاب" أحمد شكشك "يرى أن ثقة الجمهور بوسائل الإعلام أصبحت ضعيفة، مقارنة بأي وقت سابق, وأن وسائل إعلام معدودة لا زالت تتمتع بثقة الجمهور فيها, مشيرا إلى أن الحزبية وخوف الصحفيين ومؤسساتهم سبب في فقدان الموضوعية وجعلهم يطرحون المواضيع التي لا تخدم المجتمع.
وقال "شكشك" لـ"شمس نيوز": أنا شخصيا لا أثق بكل وسائل الإعلام والناس مثلي, ولا يوجد إلا عدة مؤسسات يمكن الثقة بأخبارها, وغالبية الوكالات تتداول أخبارا عادية، لا يوجد تحليل ولا تتناول القضايا بجدية".
ويضيف: الحزبية والتحيز بجانب خوف الصحفيين من التطرق لبعض القضايا أفقدهم الناس, وإذا كانت الوسيلة تبث من غزة فإنها ستحاول عدم المساس بالحكومة حتى لا يتم إغلاقها، وفي رام الله نفس الحالة".
أما المواطن "علي جبر" فيقول لمراسل "شمس نيوز": أنا لا أثق دائما بالوسائل المحلية، وعند حدوث أي حدث فأنا أحاول الاطلاع على كافة الوكالات لتحليل الخبر، لأن كل وكالة تأخذه من منظورها وحسب سياستها, أحيانا تشعر بأنك تتصفح موقعا لفصيل معين وليس موقعا صحفيا".
نلمس ذلك
الصحفية "مها أبو الكاس"مراسلة قناة "فرانس24" تروي تجربتها مع الجمهور الفلسطيني خلال عملها بالإعلام المحلي والأجنبي لتؤكد أن المواطن الغزي بات لا يثق كثيرا بالمؤسسات الصحفية المحلية.
وتقول "أبو الكاس" لـ"شمس نيوز":أصبحنا في كثير من الأحيان نواجه رفض المواطن الغزي الحديث معنا, خلال عملي في تلفزيون فلسطين, وعند نزولي إلى الشارع للحديث عن مشكلة معينة أو أطلب مناشدة كان من الممكن أن يرد علي المواطن بعبارة: ناشدنا وما شفنا شي أو ما في ثقة أو كلام إعلام".
وأشارت مراسلة "فرانس24" إلى أن تعامل الجمهور وتعاطيه مع الإعلام الأجنبي، أكبر من تعاطيه مع الإعلام المحلي لتضيف: عند مرافقتي للصحفيين الأجانب نجد أن الناس تميل للحديث معهم, ويصبح المواطن يتساءل ما إذا كانت الوسيلة محلية أو أجنبية, إذا كانت محلية غالبا يرفض الحديث, حتى في تجربتي بالعمل في قناة فرانس 24 يتحدث المواطن لي بأريحية أكثر".
وأرجعت "أبو الكاس" سبب تناقص ثقة الجمهور في الإعلام المحلي إلى عدم قدرته على إيصال الصوت الغزي بالشكل المطلوب, وعدم تناوله للقضايا الحساسة وعرضه للمواضيع بطريقة مملة, إلى جانب خوف المؤسسات الصحفية من التطرق إلى كثير من المواضيع ,بالإضافة إلى سياسة الحكومة في غزة، والتي جعلت المواطن يتخوف من الحديث ببعض الأمور، بحسب قولها.
وتضيف: قبل الانقسام، كان يتناول المواضيع بمصداقية أكثر وموضوعية وحيادية, أما الآن نلاحظ زيادة في المؤسسات الإعلامية, لا يوجد مصداقية، حتى أنا كصحفية عندما أتلقى خبرا من مؤسسة محلية كمصدر, أنتظر أكثر من ساعة لأتأكد من الخبر والمعلومة قبل إرساله لوسيلتي, لأن هذه الصحافة كثيرا ما تناولت أخبارا ثبت أنها غير صحيحة".
يتفاوت مستواها
الإعلامي" محمد قنيطة" مقدم البرنامج الاجتماعي المشهور "بانوراما القدس" في إذاعة صوت القدس المحلية، يرى أن الجمهور الفلسطيني لم يفقد الثقة بالإعلام, وأن مستوى ثقة الشارع الفلسطيني بالمؤسسات الصحفية يتراجع ويزداد حسب الحالة السائدة وطبيعة الإعلام.
وقال "قنيطة" لـ"شمس نيوز": لم يفقد الشارع الفلسطيني ثقته بالإعلام ولكن ممكن أن يتراجع في أوقات ويزداد في أوقات أخرى، وربما يكون الأمر طبيعيا حسب الحالة السائدة في البلد وحسب طبيعة الإعلام".
وأضاف: ولكن بعض أنواع الإعلام ممكن أن يتساوق مع بعض المعلومات غير الصحيحة وغير الموثوق منها, وأحيانا بعض الجمهور يأخذ هذا بمنحى الجد، وبالتالي لا يطبق ما تناولته هذه الوسائل فتتراجع الثقة".
وأشار "الإعلامي قنيطة "إلى أن بعض وسائل الإعلام والصحفيين، وبالأخص التابعين لأحزاب، يقعون في مشكلة تراجع الثقة عند التسويق لفكرة أو حدث معين واستخدامهم التضخيم في الحدث المتوقع, ويكتشف المواطن بأنها لا تستحق هذا القدر من التضخيم".
ولفت "قنيطة " إلى ضرورة الاهتمام بقضايا الجمهور ومشكلاته لزيادة وتعزيز الثقة, بالإضافة إلى طرح المضمون الإعلامي الذي يعكس حالة الناس وإيصاله للمسئولين.
يجني على نفسه
الخبير في الإعلام والاتصال د أحمد أبو السعيد يعتقد أن سبب تراجع ثقة الجمهور الفلسطيني بالإعلام المحلي إلى تحزب الكثير من المؤسسات الصحفية وتبعيتها لأطراف ممولة, بجانب الدور الذي لعبه الإعلام في الانقسام الفلسطيني.
وقال "أبو السعيد" لمراسل "شمس نيوز": مشكلة تراجع ثقة الجمهور بوسائل الإعلام ليست في فلسطين فقط، بل بالعالم العربي أيضا, والمشكلة أن الإعلام الفلسطيني أصبح يتبع لأحزاب معينة، وهذه الأحزاب لا تلبي مطالب الشعب وبات الشعب لا ينظر للإعلام بمصداقية".
وأضاف: ما حدث من فلتان أمني في الأراضي الفلسطينية وتأجيج الشارع الفلسطيني بين قطبي الانقسام ومشاركة الإعلام في ذلك أفقده ثقة الجمهور".
ونوه "أبو السعيد" إلى أن عمل الإعلام بشكل موحد خلال الحرب وعودته إلى الداعم والحزب التابع له بعد انتهاء الحرب شكل معضلة حقيقية, متسائلا عما إذا كان يجب على المواطن انتظار الحرب ليرى خطابا إعلاميا موحدا؟.
وأشار الخبير في الإعلام والاتصال إلى أن إحساس المواطن بأن الإعلام المحلي لم يعد يشبع رغباته ,بالإضافة إلى عدم تمكنه من اختيار الوسيلة التي تتوافق مع توجهاته، جعله يلجأ إلى متابعة الإعلام الأجنبي ويتابع الأخبار الخاصة به من خلالها.
ولفت "أبو السعيد" إلى ضرورة إيجاد رؤية واضحة للإعلام, بجانب العمل على تغيير الخطاب الإعلامي إلى خطاب موحد ويخدم قضايا الجمهور لتعزيز الثقة بينهما .