غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الأقصى والتقسيم الزماني والمكاني والرد

ياسر الزعاترة

ما جرى خلال اليومين الماضيين في المسجد الأقصى هو بلا شك جزء لا يتجزأ من مسلسل تصعيد تابعناه خلال الشهور الماضية، ويتواصل منذ سنوات أيضا، حيث لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية على المسجد، ما جعل المدينة المقدسة واحدة من أكثر البؤر التهابا في الساحة الفلسطينية، ليس في محيط المسجد، وفي مواجهة قطعان المستوطنين وحسب، بل في شوارعها أيضا، ربما لأن أمن السلطة ليس موجودا هناك لكي يمارس هوايته في قمع المسيرات وتأكيد التنسيق الأمني. والمصيبة أنه حتى مسيرات التضامن مع الأقصى في مدن الضفة لا يتم التسامح معها من قبل “أجهزة الجنرال دايتون”.

هل ثمة جديد في مسلسل الاستهداف المتواصل للمسجد الأقصى، ولعموم المدينة المقدسة، وهل نحن إزاء قدر من التسارع الذي تجعله أجواء المنطقة أكثر سهولة ويسرا، أم أن الأمر على حاله يسير باضطراد منذ عقود في اتجاه تكريس واقع الهيمنة على ما يعرف بالمربع المقدس الذي يوجد فيه المسجد وقبة الصخرة، وصولا إلى ما بات يُعرف بالتقسيم الزماني ومن ثمّ المكاني للمسجد.

من المؤكد أن المسلسل ليس في وارد التوقف، وبحسب بن غوريون  لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل .والنتيجة هي أن الإسرائيليين بعلمانييهم ويسارييهم ويمينييهم وحاخاماتهم يتوحدون خلف ملف  جبل الهيكل ، وعندما يرى يوسي بيلين،  حمامة السلام  الإسرائيلي المعروف، وصاحب وثيقة جنيف الشهيرة، أن جبل الهيكل بالنسبة لليهود، جميع اليهود، هو بمثابة مكة أو الكعبة بالنسبة للمسلمين، فذلك يعني أن أحدا ليس في وارد التنازل في هذا الملف، مع فارق في التفاصيل بين هذا الفريق وذاك.

 الجديد في قصة الأقصى هو مساعي تكريس التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، ويبدو أن الصهاينة يجدون في الأجواء الراهنة في المنطقة فرصة لذلك، وحيث يبدو الوضع العربي في غفلة عما يجري خارج سياق الإدانات التقليدية، ولولا مخاوف تفجّر الانتفاضة، لتسارع الأمر بشكل أكثر وضوحا وحسما.

 ما نتذكره دائما، وينساه أصحاب نظرية  الحياة مفاوضات  هو أن المرحلة الأهم في التاريخ الفلسطيني هي انتفاضة الأقصى 28/9/2000، وكانت انطلاقتها ردا مباشرا على زيارة شارون للمسجد تأكيدا على حق اليهود فيه، وإن كانت الظروف الموضوعية الأخرى هي التي وفرت إمكانية استمرارها، لاسيما فضيحة المفاوضات في كامب ديفيد صيف ذلك العام، حين طالب الإسرائيليون بجزء من الشق العلوي للمسجد الأقصى، مع سيادة كاملة على شقه السفلي، وبالطبع من أجل استمرار البحث عن الهيكل الذي يزعمون وجوده تحت المسجد.

كما نتذكر انتفاضات أخرى سبقتها من أجل القدس أيضا (انتفاضة البراق، انتفاضة أبو غنيم، ردا على مستوطنة أبو غنيم في القدس التي أعلنها نتنياهو نفسه عام 96).

 إن أي حديث عن مواجهة المخططات الصهيونية بالصراخ والمفاوضات ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لن يكون ذا قيمة، فلا الأمريكان ولا الأوروبيين في وارد الدخول في جدل مع نتنياهو حول هذا الملف، اللهم إلا في سياق من تحذيره من تبعات ذلك على المشهد في الضفة الغربية، وهو ما يحسب حسابه، وربما يلجم تسارع خطواته بعض الشيء. لقد ثبت أن مراحل المفاوضات هي الأكثر ازدحاما بالاستيطان والتهويد، أكان خلال أوسلو، أم خلال مرحلة القادة الجدد الذين ورثوا ياسر عرفات، ولا تسأل عن مواجهتها بدعوة العرب والمسلمين إلى زيارتها سائحين، فضلا عن طلب التبرعات التي يمكن لملياردير يهودي واحد أن يدفع أكثر منها. لا مجال لمواجهة تلك المخططات سوى بوحدة على قاعدة المقاومة الشاملة بعنوان واضح هو دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط، أما الوحدة على قاعدة تكريس سلطة تخدم الاحتلال، ومفاوضات لن تأت بخير، فلا يمكن أن تؤدي إلى غير المزيد من التهويد، وتاليا تكريس التنازل بصيغة أو بأخرى، وربما توفير الأجواء لاحقا لهدم المسجد برمته من أجل بناء الهيكل، وفي المدى القريب تقسيمه بين المسلمين واليهود، زمانيا ومكانيا، تمهيدا لوضع اليد عليه بالكامل.

اليوم يبدو المشهد بائسا، ففي ظل سلطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية، وانشغال المنطقة بالحريق الذي أشعلته إيران، لا يبدو في ميدان المواجهة  سوى الشيخ رائد وأنصاره (بدأت مطاردتهم بتصنيف الاحتلال للمرابطين ككيان غير شرعي)، ومعهم أبناء القدس ومحيطها الذين يتصدون بشكل يومي لممارسات المستوطنين ومن يحميهم، والذين ما برحوا يذكرون بقضية الأقصى، ليس فقط لخصوصيتها، بل أيضا لرمزيتها كعنوان لقضية فلسطين التي يدفنها قادة السلطة والمنظمة وفتح بمفاوضات يعلم الجميع أنها لن تمنحهم غير دولة مؤقتة في حدود الجدار، أو حل مشوّه لا قدس فيه ولا سيادة ولا عودة للاجئين. يبقى القول إن الأمل كل الأمل هو أن يؤدي مسلسل الاستهداف للمسجد إلى تفجر الانتفاضة الجديدة كما حدث في العام 2000، وهي انتفاضة لن تكون عنوانا لحماية المسجد وحسب، بل محطة لإخراج القضية من حالة التيه التي أدخلها فيها عباس منذ 2004 ولغاية الآن.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".