بقلم: حلمي الأسمر
عندما نجيب نحن عن السؤال، لا تحمل إجابتنا منطقا مقنعا، لكن حينما يقولون «هم» يفترض أن يكونوا مقنعين اكثر منا، كثيرون يسألون السؤال الكبير: ما جدوى اتفاضة السكاكين هذه؟ هل يمكنها أن تحرر فلسطين؟ ألا تذهب دماء الصبايا والفتيان الفلسطينيين الذين يلقون بأنفسهم على الموت «هدرا»؟ ما الذي يدور بأذهانهم وهم يستشهدون مقابل «جّرْح» أو طعن مستوطن أو جندي صهيوني؟ كيف يمكن لفارق القوة الهائل بين الفلسطيني وعدوه المحتل أن يُجسَّر، وبالتالي يمكن «تحييد» تلك القوة الأسلحة الفتاكة التي يمتلكها عدوهم؟ يديعوت وفي مقال افتتاحي بالأمس، كتبه المعلق ايتان هابر بعنوان «هل يمكن مطالبة الجيش الاسرائيلي بالانتصار؟» حمل جوابا مقنعا، إذ وضع يديه على «بيت القصيد» في الانتفاضة التي يراها بعضنا «عبثية»! الفلسطينيون يتعلمون ويجتهدون الا يكرروا اخطاءهم, في الحالة التي امامنا فانهم يستخدمون كثيرا جدا الاطفال (طبعا هذا كذب فارغ..فالأطفال يصعدون إلى السماء بمحض إرادتهم)، والأسلحة الأكثر بدائية، ويشجعون نوعا من العصيان الشعبي المدني.
فكيف يمكن للجيش، مهما كان قويا وعظيما، ان يمنع فتى ابن 13 من أن يطعن «مواطنا بريئا!» في الشارع؟ لدى الجيش الاسرائيلي بطاريات قبة حديدية تكلف مئات الملايين لدافع الضرائب، مدافع ليزر، شاشات رادار هي الكلمة الاخيرة، وسائل سايبر متطورة؟ وماذا يوجد للفلسطينيين؟ سكاكين، مسدسات بدائية وصواريخ ومقذوفات صاروخية يكاد يكون ثمنها صفر، بضع مئات من الدولارات بالاجمال. أما نحن، والحمد لله، فلدينا صواريخ تكلف ملايين الدولارات.
إذن لماذا لا تنتصر الصواريخ التي تكلفنا مئات الاف الدولارات للوحدة الواحدة على الصواريخ البدائية التي لا تكلف سوى مئات الدولارات، رغم انها «ذكية» اكثر منها بأضعاف مضاعفة؟ كيف حصل أنه بسبب سكاكين المطبخ يغلق على أنفسهم عشرات الآلاف في منازلهم خائفين؟.. السكين لا يمكنها أن تنتصر ولكنها «تبقي في الصورة» المشكلة الفلسطينية وتدفع العالم الى الاعتقاد بان فيها يكمن مصدر كل مشاكله.
وهذا يكفي الفلسطينيين، يشعر الفلسطينيون بان ليس لهم ما يخسرونه، فيخرجون مع السكاكين لفرض الرعب والخوف علينا.
نحن مفزوعون ومثبتون على الفزع!» هذه هي القصة إذن، كما يقول المقال الافتتاحي للصحيفة العبرية، بمنتهى الوضوح والصراحة، هذا رد أيضا على من جأر بعبثية «صواريخ التنك!» ويمكن للعاقل أن يقرأ في هذا المشهد أكثر من استخلاص..
أولا/ الخلل في توازن القوى بينك وبين عدوك ليس سببا للهزيمة، فثمة «إرادة» قتال يمكنها أن تردم الهوة، وتحول قوة عدوك إلى «أنتيكة» خرساء، ليس لها فاعلية، أمام ما يمكن أن يبدعه الضعيف بسلاحه القوي بإيمانه!
ثانيا/ الأمر يتعلق بالإرادة فقط، لو شاء العرب الذين أشبعونا «مرجلة» طيلة قرن من الزمان أن يكونوا على مستوى الحدث لفعلوا، الأمر كان متعلقا بوجود قرار، أو إرادة، ببساطة يمكننا أن «نتهم» كل من انهزم أمام الوحش أنه لم يمتلك قراره ولا إرادته، أو أنه كان متواطئا مع العدو، بقرار أو بغباء واستهانة بشروط المعركة!
ثالثا/ ما يجري في انتفاضة السكاكين يعيد تعريف القوة والضعف، ويفتح الباب على مصراعيه لإعادة تعريف أدوات المواجهة واختراع أساليب مقاومة لا حدود لها! كيف يمكن للجيش، مهما كان قويا وعظيما، أن يمنع فتى ابن 13 من أن يطعن «مواطنا بريئا!»؟ في الشارع؟ تسأل الصحيفة وهي تعرف جيدا، أن المستوطن، والجندي، والمحتل ليس بريئا، وأن الفتى هو البريء، لأنه يطلب الموت، لتوهب لشعبه الحياة!